جاء في “الأخبار”
يشكو المزارعون اللبنانيون في منطقة مرجعيون من منافسة العمّال السوريين لهم، بعدما صاروا يستأجرون الأراضي أو يستثمرونها، ويبيعون إنتاجهم منها بأسعار منخفضة، بما أنّهم قادرون على التوفير في كلفة اليد العاملة والنقل وبعض المصاريف الأخرى. وقد تقدّم المزارعون بشكوى إلى القائمقام لمعالجة الموضوع، وتوصلوا معه إلى اتفاق يقضي بإحصاء المخالفات وإقفال المحالّ والبسطات غير القانونية ومنع المستثمرين المخالفين من العمل من دون كفيل لبناني.
على جانبَي الطريق الممتدة بين سهلَيِ الخيام والوزاني في منطقة مرجعيون، يتوزّع عدد كبير من العمّال والأطفال السوريين لبيع منتجات زراعية متنوّعة، وبأسعار مشجعة نسبة الى أسعار أسواق الخضر المعروفة في المنطقة. خلف هذه «البسطات»، تنتشر الخيم البلاستيكية التي يقيم فيها هؤلاء النازحون، والذين يقاومون برد الشتاء باستخدام مدافئ الحطب الذي يجمعونه من الكروم والحقول القريبة والبعيدة، بحسب محمد ملوح المقيم في خيمة قريبة من السهل. عائلة ملوح تتألف من زوجة و7 أطفال، أصغرهم يبلغ خمس سنوات، وجميعهم يعملون معه في الزراعة. يقول «استأجرت عشرة دونمات بعشرة ملايين ليرة، نزرع فيها الخضر المختلفة، ولا نحتاج الى الأيدي العاملة بخلاف المزارعين اللبنانيين». كما يوفّر ملوح في كلفة النقل، فهو ينقل المنتجات إلى البسطات القريبة وإلى بعض المحال التجارية في المنطقة، لكنه يفضل عرض منتجاته بنفسه، ما يمكنه من بيعها بسعر منخفض وتحقيق أرباح مقبولة. في فصل الصيف، تزداد الأرباح، ولا سيما أن «المنتجات الصيفية مطلوبة، والبسطات على جانبَي الطريق تصبح مقصودة من المغتربين والمصطافين، إضافة إلى أن طريق السهل يقصدها المئات من الأهالي يومياً الذين يعبرون الطريق باتجاه متنزّهات نهر الوزاني».
أبو محمد، نازح سوري يقيم في المنطقة منذ 12 عاماً. كان يعمل كغيره في بناء المنازل، ثم انتقل إلى الزراعة لدى مزارع لبناني، قبل أن يبدأ في استثمار الأراضي الزراعية بنفسه. هو يزرع اليوم ما يزيد على 30 دونم أرض، ويؤمّن الأراضي الزراعية لعدد من النازحين بالتوافق مع أصحاب الأراضي، الذين يحصلون على البدلات المالية الإضافية، أو يحصلون على جزء من الإنتاج. يؤكد أبو محمد أن «عدداً من النازحين السوريين باتوا يفضّلون العمل في الزراعة إلى جانب أعمالهم الأخرى في البناء وغيرها، لكنهم يعملون تحت حماية اللبنانيين من أصحاب الأراضي أو من الذين يستأجرون الأراضي ويمنحونها لنا، مقابل المال». ويلفت الى أن «عمل النازحين في الزراعة يعتمد على قدراتهم الجسدية وعلى أولادهم، فأنا شخصيا لديّ 11 ولداً يساعدونني في الزراعة، وأستطيع في المقابل الاستمرار في العمل في البناء، إضافة الى أن بعضنا يستفيد من بعض الخدمات مثل المياه والكهرباء التي يحصل عليها اللبنانيون من أصحاب الأراضي أو المستأجرين، لذلك نستطيع التخفيف من كلفة الإنتاج وبيع منتجاتنا في الأسواق بأسعار منافسة».
كلفة الإنتاج
تثير زيادة استثمار النازحين للأراضي الزراعية في الخيام والوزاني وغيرها، حفيظة العشرات من المزارعين اللبنانيين المقيمين في المنطقة، «لأن اللبنانيين لا تتوفر لهم الأيدي العاملة المجانية، بل يضطرون إلى استئجارها، كما يتحملون نفقات مختلفة إضافية مثل التدفئة والكهرباء والمياه، إضافة الى نفقات التعليم والطبابة» يقول المزارع يوسف الخوري، ابن بلدة القليعة. ويرى أن «توفير المزارعين السوريين كلفة العمال وكلفة نقل المنتجات الى الأسواق بسبب بيع منتجاتهم على الطرقات، إضافة إلى انخفاض كلفة النفقات اليومية وحصولهم على المساعدات المختلفة، هو ما يجعلهم قادرين على بيع منتجاتهم بأسعار متدنية، وهذا أدى ويؤدي الى تكدّس منتجاتنا وانخفاض عدد المزارعين اللبنانيين».
لا يخفي عدد من المزارعين اللبنانيين استياءهم من الأمر، «الذي بات يجب مواجهته». يتحدث الخوري عن شكوى تقدّم بها عدد من المزارعين إلى قائمقام مرجعيون، الذي وعدهم بالتحرّك والتحقيق في الأمر، ومنع كل المخالفين من العمل في الزراعة». ويشير محمد حمود إلى «خطوات سيقوم بها المزارعون اللبنانيون لمواجهة سيطرة النازحين السوريين على الأراضي الزراعية بشكل مخالف للقانون». يؤكد حمود أن «عدداً من النازحين كانوا يعملون عند أصحاب الأراضي، أصبحوا اليوم يستأجرونها، وتمكنوا من منافسة المزارعين اللبنانيين الذين يتناقص عددهم سنة بعد سنة». يقدّم مثالاً «في الصيف الماضي، لم نستطع بيع كيلو الفاصوليا بأقل من 10 آلاف ليرة نظراً إلى التكاليف الباهظة التي نتكبدها، لكننا فوجئنا بأن المزارعين السوريين كانوا يبيعون الكيلو بـ 6000 ليرة». ويؤكد أن «النازحين المقيمين في الخيم يزيد عددهم عن سكان بلدة بأكملها، ففي بلدة ابل السقي تقيم أكثر من 300 أسرة داخل مخيم صغير، يعيشون فيه بأقل التكاليف الممكنة، وبالتالي لا يمكننا منافستهم في الزراعة، لذلك يجب تطبيق القوانين كي نتمكن من العيش معاً في مكان واحد».
ويلفت الخوري إلى أن «معظم أبناء المنطقة اليوم من الذين خسروا أعمالهم وتدنّت أجورهم بسبب الأوضاع الاقتصادية لجأوا الى الزراعة لتأمين قوت عيالهم، وهم يلتزمون بدفع ما يتوجب عليهم من بدلات المياه والكهرباء وأجور العمال، في المقابل ترك العشرات من المزارعين القدامى أراضيهم الواسعة بسبب كلفة الإنتاج ومنافسة النازحين، الأمر الذي سمح للنازحين بتوسيع نشاطهم الزراعي».
مخالفة للقانون
يرى رئيس تعاونية إدارة مياه نبع الدردارة جهاد الشيخ حسين أن «ما يحصل اليوم يتم بشكل مخالف للقانون، لأن عشرات النازحين السوريين استأجروا مئات الدونمات من الأراضي الزراعية في المنطقة من دون أي ترخيص من الجهات المعنية، وبات إنتاجهم من الزراعة يزيد عن إنتاج المزارعين اللبنانيين، في الوقت الذي يحصل فيه النازحون على المياه والكهرباء بشكل مجاني ولا يتكبدون الأعباء المالية التي يتكبدها اللبنانيون، ويبيعون منتجاتهم بأسعار متدنية جداً».
كما يؤكد مسؤول وزراة الزراعة في منطقة مرجعيون فؤاد ونسة أن «أعداد المزارعين السوريين في منطقة مرجعيون ارتفعت أخيراً بشكل كبير، فهم يستأجرون مئات الدونمات بأسعار منافسة، إذ لا يزيد بدل إيجار الدونم الواحد على 700 ألف ليرة سنوياً، وهم يعتمدون على أطفالهم في العمل، ولا يهتمون للقوانين التي تلزم تعليم الأطفال ومنع تشغيلهم».
بدوره، يشير رئيس بلدية الخيام عدنان عليان الى أن «البلدية تهتم بحصول كل النازحين والعمال السوريين على كامل حقوقهم المدنية والإنسانية، لكن ما يحصل اليوم هو تمادي المئات من النازحين في مخالفة القوانين؛ ومن بينها استثمار الأراضي الزراعية وفتح المحال التجارية، وعرض المنتجات على الطرقات العامة، ما أدى الى مزاحمة المزارعين المقيمين في المنطقة بعدما تلاشت أجور الموظفين المقيمين». ويرى عليان أن «مواجهة هذه المخالفات تحتاج الى عناصر وقوى أمنية لمراقبة التعديات وضبط المخالفات، وهذا يصعب تحقيقه بسبب الأزمة الاقتصادية التي طالت البلديات والقوى الأمنية أيضاً». لكن ما توصلت إليه بلديات المنطقة حتى الآن بالاتفاق مع القائمقام هو «التعاون مع القوى الأمنية الموجودة لإحصاء المخالفات وإقفال المحال والبسطات غير القانونية ومنع المستثمرين المخالفين من العمل بدون كفيل لبناني، علماً أنّه لا يحق لأيّ نازح يستفيد من المساعدات الدولية».
7 مزارعين من الخيام!
تزيد مساحة سهل مرجعيون على 25 مليون متر مربع، إضافة إلى ملايين الأمتار الأخرى في منطقة «الوطى والسرداب»، ويمتد على طول 9 كلم، تجاوره قرى وبلدات: الخيام، بلاط، دبّين، إبل السقي، القليعة، برج الملوك، كفركلا ومرجعيون. ترويه عدة ينابيع، أهمها نبع الدردارة.
معظم المزارعين من أبناء المنطقة تركوا الزراعة بسبب الهجرة، ومن تبقّى منهم عادوا إليها في السنوات الماضية، كما استثمر عدد كبير من أبناء المناطق البعيدة أراضي زراعية، ولا سيما في منطقة الوزاني القريبة من النهر، فيما تراجع عدد مزارعي البلدات القريبة من السهل، قبل الأزمة الى أكثر من 80%، حتى إن مصدراً في وزارة الزراعة يقول إن «عدد المزارعين الفعليين اليوم من بلدة الخيام لا يزيد على سبعة مزارعين فقط».