فؤاد بزي – الأخبار
أوصلت قرارات المكاتب التربوية، ورضوخ الهيئات الإدارية لروابط التعليم لها، قطاع التعليم الرّسمي إلى الفوضى. ففيما توقفت الدروس بنسبة ناهزت الـ 80% في الثانويات، كانت العودة غير مكتملة في مدارس التعليم الأساسي، لاستكمال بعض لجان المتعاقدين إضرابهم. وكذلك في المهنيّات، حيث الثقل الأكبر للمتعاقدين (أكثر من 80% من الأساتذة).
هذا بالنسبة إلى التدريس، أما على صعيد التحرّكات، فقد شكلّت صفعةً للأحزاب، مع تسجيل خروج كبير لأساتذة الثانوي من «بيت طاعتها». إذ رفض معظم أساتذة التعليم الثانوي الدخول إلى الصفوف بنسبة ناهزت، بحسب المراقبين الـ 80%. وبدل الانصياع لقرار رابطتهم، فضّلوا عقد اجتماعات في الثانويات والتصويت على استكمال الإضراب اليوم، وإيقاف العملية التعليميّة بشكل شبه تام، رافضين «اللعب بنظام رابطتهم الداخلي، وتجاوز الجمعيات العمومية، والعودة بناءً على وعود كاذبة لتسيير العام الدراسي ولو على جثثهم». لم يخلُ المشهد من بعض الخروقات، ولا سيّما في الثانويات التي يديرها أعضاء الهيئة الإدارية، أو مقرّبون من الأحزاب، وحتى في الأخيرة، لم ينصع الأساتذة، وبقوا على موقفهم، فيما السّؤال الأصعب كان: ماذا سنفعل غداً؟
الاعتصام الأكبر
أمام وزارة التربية، نفّذ الأساتذة اعتصاماً حاشداً يمكن أن يوصف بـ«الاعتصام الأكبر، والأكثر مظلومية» منذ انطلاق التحرّكات يوم التاسع من كانون الثاني الماضي، فيما روّجت بعض وسائل الإعلام أنّ المعتصمين من المتعاقدين، وأساتذة الملاك كلّهم في مدارسهم! وواكبت النبطية الاعتصام بآخر، قرّر فيه أساتذتها المعتصمون، والمعطّلون لثانويات المنطقة كافةً «الإقامة الدائمة أمام الدائرة التربوية في المنطقة، على أن يستكملوا تحرّكهم غداً (اليوم) بتظاهرة أمام فرع مصرف لبنان».
في الاعتصام المركزي، الذي شارك فيه أساتذة من بيروت وجبل لبنان، وسجّل حضوراً لافتاً لأساتذة الشّمال، كان التأكيد على رفض «الإملاءات» من جهة، و«العودة خاسرين» من جهة ثانية. وفيما غابت وجوه مسؤولي الروابط بشكل تام، كان لافتاً أيضاً حضور أساتذة منتمين إلى أحزاب، استغربوا السؤال عن سبب مشاركتهم في الاعتصام «نرفض التدخلات السياسية في الأعمال النقابية». إلى جانبهم، حضرت النائبة حليمة قعقور التي أكّدت في تصريح لـ«الأخبار» «ضرورة تحرير الحركة النقابية في لبنان من سلطة الأحزاب»، وسألت الروابط عن «سبب إطلاق الإضراب وفكّه في حال عدم تحقيق شيء من المطالب»، رافضة «وضع الأساتذة بوجه التلامذة»، ومشبهةً الأمر بـ«وضع العسكر مقابل المتظاهرين».
«الرابطة لنا»
وأجمع المتكلّمون خلال الاعتصام على ضرورة إعادة التغطية الصحية للأساتذة عبر دعم تعاونية موظفي الدولة، و«رفض التهديد الذي تمارسه دوائر وزارة التربية، ولا سيّما «دارسو المناطق»، ومدير التعليم الثانوي»، الذين يرسلون منذ مساء الأحد الماضي إلى مديري الثانويات رسائل لـ«إفادتهم بأسماء وأعداد المتغيّبين من الأساتذة، كما الممتنعين عن التعليم»، بالإضافة إلى ضرورة «وقف الخرق المستمر للنظام الداخلي لرابطة الثانوي من قبل زملائهم أعضاء الهيئة الإدارية»، الذين طالبهم النقابي حسن مظلوم بـ«الاستقالة رفضاً للضغوط الحزبية عليهم». أمّا نائب رئيس فرع البقاع في رابطة التعليم الثانوي صادق الحجيري فأعاد التذكير بـ«ضرورة تأمين الدولة راتباً ثابتاً، قادراً على تأمين عيش كريم، من دون تمنين. فالأساتذة ليسوا متسوّلين، ولا يرضون بالمكرمات». وفي نهاية الاعتصام، جرت محاولة لإقفال الطريق أمام الوزارة بالخيم، وتوجّهت مسيرة باتجاه مبنى الروابط لتأكيد حقّهم فيه، وأمامه دعا النقابي حسن مظلوم الأساتذة إلى «تشكيل رابطة الأمر الواقع النقابي، فالشرعية تستمدّ من الحضور الجماهيري اليوم».
لا للإملاءات
بالنسبة إلى المعتصمين، «إعادة إطلاق التعليم بصفر إنجازات يعدّ تمديداً وتأجيلاً للمشكلة، التي يجب أن تحلّ اليوم لمرّة واحدة وكفى». لا ترى إحدى المعلّمات «مشكلةً في إنهاء العام الدراسي، إذا ما استعيد التعليم الرّسمي العام المقبل، ووصلنا إلى سنة دراسية من دون إضرابات، في حين يعني تراجع الروابط اليوم إعادة فتح المشكلة لاحقاً». وتعيد أستاذة من بيروت سبب وجودها في الاعتصام إلى «رفضها الإملاءات»، فهي كانت ستصوّت على خيار «مع العودة»، لو أجريت الجمعيات العمومية، إلا أنّ «ثقافة الإلغاء، والتعدّي على القوانين لا تحتمل»، مذكرةً بكلام أعضاء الروابط قبل أسابيع، ومن المكان نفسه، حين «رفضوا أيّ كلام عن العودة إلى التعليم قبل إجراء تصويت في الجمعيات العمومية، أو إنهاء العام الدراسي في حال عدم استجابة الوزارة للمطالب، وهي لم تستجب».
تضامن الأهالي
وقد شدّد الأهالي المشاركون في الاعتصام على أيدي الأساتذة لـ«استكمال تحرّكهم، ورفض الإملاءات، رغم بقاء أولادهم في المنازل»، بحسب عسكري متقاعد اعتلى المنبر ليقول «لا أستطيع إرسال أولادي إلى المدرسة، حتى لو فتحت أبوابها». وعن سبب حضوره إلى الاعتصام، أجاب والد تلميذة في المدرسة الرسمية بـ«أنّه إلى جانب الأساتذة»، واصفاً إياهم بـ«صانعي الوزراء والمسؤولين في الدّولة، وتقع بين أيديهم مسؤولية بناء مستقبل البلاد».
*رفض معظم أساتذة التعليم الثانوي الدخول إلى الصفوف بنسبة ناهزت الـ 80%*
«مصير العام الدراسي على المحك، والوضع التربوي في أزمة جديّة»، بحسب النقابي محمد قاسم، الذي يضيف «الكرة في ملعب وزارة التربية ورئاسة الحكومة، فالوعود لم تعد كافية، ودعم التعليم الرّسمي سيقلب الدفة بين الخاص والرّسمي بسبب الأزمة الاقتصادية، ويسبّب الهجرة الطلابية المعاكسة»، ويؤكّد «ضرورة تمديد العام الدراسي نظراً إلى استمرار الإضراب لحوالي شهرين، وتكثيف الدروس، وعدم حصرها بأربعة أيام فقط، ولكن بعد تأمين متطلبات العودة الكريمة للأساتذة».