كتبت النهار
في التوقيت الذي يريده، اختار “حزب الله” فتح معركة رئاسة الجمهورية، فكان التحضير لها دستورياً من على منبر رئيس المجلس عندما كشف عن الاسم الذي ستُستبدل به الورقة البيضاء، معلناً دعم ترشيح زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية، واستُكملت بتأكيد هذا الدعم عبر الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله.
كان يمكن “الثنائي” ان يطلق المعركة بديبلوماسية اكبر تراعي الشريك المسيحي، وتحترم الحليف المرشح، كما بكركي التي يقود سيدها جهوداً للتوصل الى توافق مسيحي على مرشح، فيكون تبنّي فرنجية على الاقل في الشكل، عبر الاعراب عن الرغبة في ان يعلن ترشيحه من اجل دعمه، وليس اعلان الدعم قبل ان يترشح ويقدم برنامجه.
خطوة “الثنائي” تركت ردة فعل سلبية في الشارع المسيحي، اذ اسقطت اي حظوظ ممكنة لإضفاء صفة التوافق على فرنجية، واضعةً اياه في صلب المواجهة، ودافعةً الفريق المعارض الى التمسك بمرشحه النائب ميشال معوض، بعدما كانت خطوات سحب هذا الترشيح قد أحرزت تقدماً على طريق التفاهم على مرشح “الخطة ب”.
هذه الخطوة أحرجت فرنجية نفسه الذي بات ملزماً اعلان موقفه في شكل رسمي وواضح، ترشحاً أو عزوفاً. وهو قد حسم خياره كما تقول المعلومات المتوافرة نحو اعلان الترشيح في لقاء اعلامي الاحد المقبل، معلناً بذلك اطلاق المعركة الرئاسية بين فريقه السياسي والفريق المعارض الذي يستمر في تبنّي ترشيح معوض.
لا يشعر فرنجية حتماً ان “الثنائي” بدعمه قبل ترشحه، قد الغى دوره وحضوره وأضرّ به على الساحة المسيحية. ذلك ان “الثنائي” ينطلق من “بوانتاج” يشير الى ان حاجته الى ما بين 18 الى 20 صوتاً مسيحياً تؤمّن له الغطاء المسيحي المطلوب، وهذا ليس متعذراً على الثنائي اذا ما عمد الى “فكفكة” تكتل “لبنان القوي” و”لملمة” اصوات مشتتة من هنا وهناك.
ما لم يُقم له “الثنائي” وزناً عند مبادرة رئيس المجلس نبيه بري الى الدعوة الى جلسة الانتخاب الثانية عشرة بعد اعلان فرنجية ترشحه، هو ان فريق المعارضة بقيادة حزب “القوات اللبنانية” لن يوفر النصاب للجلسة. وهذا يقود عملياً الى ما ارفقه نصرالله في كلامه الاخير حول ضرورة الجلوس الى الطاولة والبحث عن رئيس!
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم في الاوساط السياسية المراقبة هو: لماذا قرر الحزب المواجهة، واستطراداً لماذا استبق اعلان فرنجية ترشحه، مضفياً عليه صفة “مرشح الشيعة”، في الوقت الذي يقدم الرجل نفسه على انه مرشح توافقي، قادر على الحصول من سوريا والمقاومة على ما يعجز عنه الآخرون، وبهذا الاعلان، تكون صفة التوافق قد سقطت عنه وانتفت، فيما لا تزال في الموازاة، مبادرة بكركي تدور في مربعها الاول بحثاً عن رئيس من خارج الاصطفاف السياسي، يكون مقبولا وعلى مسافة واحدة من كل الافرقاء؟
لا يبدو الجواب صعباً في أوساط “الثنائي” التي تؤكد ان كل الخطوات التي قامت بها قيادتا “امل” والحزب باعلان الدعم لفرنجية متفق عليها ومنسقة ومدروسة، ولا تخرج عن السياق العام لادارة الاستحقاق الرئاسي. فـ”الثنائي” قال كلمته خارقاً حال المراوحة، وواضعاً الملف الرئاسي على طاولة التفاوض. والاعلان لم يكن موجهاً الى الداخل بقدر ما هو موجّه الى الخارج، لوضع الرئاسة ضمن رزمة التسوية المقررة للبنان متى آن أوانها على المشهد الاقليمي المتسارع التطورات.
وفي هذا السياق، فُهم ان “الثنائي” يعمل وفقاً للمعطيات التي يملكها، والتي تؤهله لوضع اجندة زمنية لادارة معركة التفاوض على الاستحقاق الرئاسي وما يرافقه ضمن مقايضة يجري التفاوض عليها، وتنطوي على استحقاقَي الرئاسة ورئاسة الحكومة والحكومة. وثمة معلومات تؤكد ان التركيبة جاهزة وتنتظر انضاجها اقليمياً.
لكن المصادر المتابعة لا تقلل من اهمية ما صدر امس في جريدة “عكاظ” السعودية، تحت عنوان “فرنجية – نصر الله، هل يحرقان لبنان؟”، مشيرة الى ان هذا الكلام ينطوي على موقف سعودي رافض لترشيح فرنجية، خلافاً لما يسوّق له الحزب وحلفاؤه بأن المملكة لن تعارض هذا الترشيح، اذا جاء ضمن رزمة تمنح حق تسمية رئيس الحكومة لها. وهذا لا ولن يساعد على انضاج التسوية إلا اذا كان جزءاً من المسار التفاوضي المنتظَر ان ينطلق قريباً. وهذا رهن باعلان فرنجية ترشحه رسمياً واعلان القوى المعارِضة عن سقف التفاوض، ومن أي مربع يبدأ!
في الانتظار، يبقى السؤال الاكثر حشرية: مَن سينبري لمنازلة فرنجية في السباق الى بعبدا؟