كتبت النهار
حتى لو كانت افتتاحية العدد الشهري لجمعية المصارف الصادرة امس لا يتحمل مسؤوليتها إلا كاتبها، وهي مذيّلة بتوقيع الامين العام للجمعية فادي خلف، إلا أن ما حملته تلك الافتتاحية تحت عنوان “المصارف بين الحقيقة والفرضيات” دقّ ناقوس الخطر لِما يدور في اذهان اصحاب الشأن من تفكير حيال مقاربة الأزمة المصرفية. ذلك ان الحقائق التي اضاء عليها المقال تُسقط كل الفرضيات القائمة وتؤكد المؤكد الذي ظلت المصارف تتهرب من الاعتراف به على مدى الاعوام الماضية، تماماً كما فعل حاكم المصرف المركزي في تطميناته الدائمة حيال صحة الليرة وعافيتها، حتى وصل الامر الى ان طارت الليرة وطارت معها اموال الناس.
حاولت جمعية المصارف التخفيف من وطأة الاعترافات الواردة في المقال، ادراكاً منها لما ترتبه من نتائج سلبية لا جدوى منها اليوم في ظل الوضع المالي والمصرفي المأزوم. ولكن ما أثار الخشية من ذلك الكلام، ان يكون مقدمة أو تمهيداً لما تعتزم المصارف القيام به، او ما يتم دفعها الى القيام به، وهو ما يجري تداوله في الكواليس عن العزم على المضيّ نحو اعلان الافلاس واقفال المصارف تنفيذاً للقانون 2/67 الذي يجيز لكل مصرف ان يطلب من المحكمة المختصة تطبيق احكامه في الحالات المنصوص عليها في قانون التجارة (المادة 459).
وفي هذا الاطار، لا يخفى على الوسط المصرفي ترقب مجموعات مالية ومصرفية داخل لبنان وخارجه في الغالب، لبلوغ المصارف المرحلة الاخيرة من التعثر للتقدم بعروض بخسة لتملّكها. وتفيد معلومات توافرت لـ”النهار” ان اهداف هذه المجموعات تلتقي مع اهداف مماثلة لقوى سياسية لا يبدو “حزب الله” بمنأى عنها، ولكن ما لا تدركه هذه المجموعات ان الهدف قد يكون عينه ولكن بأجندات مختلفة. ذلك ان هذه المجموعات تسعى وراء تحقيق صفقات جيدة لتحقيق ارباح، أما “الحزب” والقوى التي ساهمت في وضع اقتراح منح 5 رخص مصرفية جديدة في خطة حسان دياب، فأهدافها ابعد واكبر وهي تستدرج اصحاب المصلحة المالية الى فخّها.
ما الكلام الذي قاله خلف وأثار المخاوف، وما هي الخلاصات التي يمكن الخروج بها من ذلك الكلام؟
في مقالته، اشار خلف الى ما وصفه بـ3 فرضيات هي: سيولة المصارف، امكان اعادة الهيكلة، والسرية المصرفية وتداعياتها.
في الفرضية الاولى التي سأل فيها اذا كان لدى المصارف السيولة الكافية لسداد الودائع وهي تمتنع عن ذلك بقرار منها، خلص، بعدما استعرض واقع التوظيفات المصرفية، الى ان السيولة غير موجودة، اكان من ناحية ودائعها بالدولار لدى مصرف لبنان والبالغة 86،6 مليار دولار، كونها غير قابلة للسحب نقداً او التحويل الى الخارج، او من ناحية ارصدتها السلبية لدى المصارف الاجنبية المراسلة، او لناحية محفظتها من “اليوروبوندز” غير القابلة للتسييل إلا بما يناهز 6 في المئة من اصل السعر، فيما القروض للقطاع الخاص، فقد انفقت 28 مليار دولار على سعر الصرف السابق او بشيكات، اعتبر خلف ان “الدائنين ربحوها على حساب المودعين بإهمال من الدولة حتى لا نقول عن سابق تصور وتصميم”.
خلاصة هذا الكلام المستند الى الارقام ان المصارف لم تعد لديها السيولة لسداد الودائع، ليس فقط بالنسبة الى التحويلات، كما حاول خلف تطرية كلامه، بل على كل المستويات. وهذا يعني ان المصارف لا تعترف بما لديها من دولار نقدي جديد دخل بعد ازمة 2019، وليست في وارد استعماله لتغطية التزاماتها تجاه عملائها ولا سيما في ما يخص التحويلات الى الخارج، علما ان الدولار “الفريش” يجب ان يتمتع بحرية السحب والتحويل.
الخلاصة الثانية ان المصارف لم تعد قادرة او معنية بتنفيذ أحكام التعميم 154 الصادر عن المصرف المركزي والذي يلزمها بتكوين سيولة بنسبة 3 في المئة من ودائعها، وهذا يستوجب إنْ حصل ان يكون لدى المصارف ما يقارب الـ3 مليارات دولار. ولا بد من الاشارة الى ان المصارف المراسلة فقدت ثقتها بلبنان، وباتت تطلب تغطية كاملة على السحوبات والتحويلات، وهذا امر لم يعد ممكناً في ظل رصيد سلبي بقيمة 204 ملايين دولار.
في الفرضية الثانية والاخطر، قال خلف ان البعض يرى ان الحل يكمن في اعادة رسملة المصارف من الاموال الخاصة للمساهمين لاعادة انتظام القطاع. لكنه يخلص في تبريرٍ لعجز هؤلاء عن القيام بذلك، الى ان “مبدأ اعادة الرسملة مادة جاذبة لمن لا يدرك حيثياتها، الا ان الواقع يظهر أن على الجهات التشريعية والرقابية دراسة الامكانات المتاحة لكل مصرف، وهذا يُتوقع ان تقوم به لجنة الرقابة على المصارف والهيئة المصرفية العليا ضمن مشروع اعادة الهيكلة “.
وهذا يعني ان اعادة الرسملة غير واردة، خصوصا اذا ما تم ربطها بقانون اعادة الهيكلة الذي لم يُدرس بعد. وبالتالي، لن يكون امام المصارف إلا اللجوء الى القانون 2/67 بعدما انهت فترة الريبة التي ينص عليها القانون والمقدرة بـ18 شهرا. (بدء الازمة من2019).
وكانت لافتة امس تغريدة الوزير السابق وئام وهاب إذ كتب: “نقاش جدي لاعلان الافلاس. هذا يعني انهيارا كبيرا. المطلوب تدخّل عاجل. تحمُّل الدولة مسؤوليتها عن دينها قبل اعلان الخراب الشامل. تحذير. هل هناك من يسمع؟”. الواقع ان ليس مَن يسمع في ظل الشكوك بأن ما يحصل ليس وليد مصادفة بل ضمن مخطط لتدمير القطاع المصرفي.
هل بدأ العد العكسي؟