أحمد العبد – الأخبار
رام الله | لم يتأخّر الردّ الفلسطيني على مجزرتَي جنين وجبع، اللتَين ارتقى فيهما 10 شهداء في أقلّ من 48 ساعة؛ فكانت تل أبيب على موعد مع عملية فدائية في أهمّ شوارعها، “ديزنغوف”، الذي يبدو مفضَّلاً على غيره بالنسبة إلى الفدائيين الفلسطينيين. وبينما أسفرت العملية عن إصابة 5 مستوطنين بعضهم بجروح حرجة، ارتقى المنفّذ معتز الخواجا شهيداً. وعاشت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ليلة ساخنة، قد تكون توطئة لليالٍ أكثر سخونة، بدأت بهجوم كَسر من خلاله الخواجا، الذي ينحدر من بلدة نعلين قرب رام الله وينتمي إلى حركة “حماس”، كلّ التدابير والإجراءات الأمنية الإسرائيلية، واضعاً مرّة أخرى تل أبيب تحت النار، واستخبارات العدو في مهبّ الفشل. وفي وقت لم تكن فيه الدوائر الأمنية الإسرائيلية قد استيقظت من صفعة “ديزنغوف”، عاشت مستوطنة “بيتار عيليت” حالة رعب وحصار استمرّت حتى الصباح، بعد رصْد “تسلّل” فلسطينيين إلى المستوطنة، وزرعهم “عبوة ناسفة” داخل حافلة فيها، وهو ما استدعى فرْض حالة منْع التجوال، في حين فشلت قوّات الاحتلال في العثور على أيّ شخص على رغم ساعات من البحث. وبالتوازي مع ذلك، قَتل مستوطِن، الشابّ الفلسطيني بديع الشيخ من قلقيلية، فجراً، بزعم أنه كان يحمل سكاكين وعبوات ناسفة في يديه، وحاول طعْن مستوطِن قرب بؤرة “مزرعة دوروت” ما بين سلفيت وقلقيلية.
وبالعودة إلى عملية “ديزنغوف”، فهي حملت مؤشّرات جديدة يمكن أن تُنبئ ببعض ملامح المشهد القادم في الأراضي الفلسطينية. وعلى رأس تلك المؤشّرات، يأتي تبنّي حركة “حماس” العملية، وتأكيدها أن منفّذها هو أحد أفراد “كتائب القسام” – الجناح العسكري للحركة، وتوعّدها العدو بالمزيد من الضربات الموجعة في كلّ أنحاء فلسطين المحتلة، وتأكيدها أنه “طالما استمرّ عدوانه وتصاعدت جرائمه، فشعبنا متأهّبٌ للدفاع عن نفسه والانتقام لدماء شهدائه، مهما غلت التضحيات”. وجاء هجوم تل أبيب بعد أيام من تنفيذ القيادي في “حماس”، عبد الفتاح خروشة، عملية حوارة التي قَتل فيها مستوطنَين اثنين، ليرتقي بعدها شهيداً في مخيم جنين إثر اشتباك مسلّح الثلاثاء الماضي. كما سُجّلت عشرات المحاولات لتنفيذ عمليات فدائية وعمليات إطلاق النار واستهداف للمستوطنات وحواجز الاحتلال، ما يؤكد عودة العمل المسلّح المنظَّم من قِبَل الفصائل الفلسطينية، ولو بنسب وأشكال مختلفة.
والظاهر أن الفصائل الفلسطينية قد استفادت من تجربة الانتفاضة الثانية، وتحديداً لناحية هرمية المجموعات المسلّحة التي كانت تتبع لها والمسؤولة عن تنفيذ العمليات الفدائية، وطريقة عملها. وبحسب الملاحَظ حتى الآن، يبدو أن ثمّة تَوجّهاً للاعتماد على الخلية/ الفرد أو المحدودة العدد، بما يقي التنظيم وأفراده تبعات كبرى، إلى جانب تشكيل المجموعات المسلّحة في المخيّمات والبلدات، والتي تُسنَد إليها مهمّة تنفيذ عمليات إطلاق النار على حواجز الاحتلال والمستوطنات والمستوطنين، والتصدّي لاقتحامات جيش العدو، كما في مخيم جنين أو مدينة نابلس أو مخيّم عقبة جبر.
*قد تُعتبر «ديزنغوف» بداية لمرحلة جديدة من العمل المقاوم عنوانها عودة العمليات الفدائية في الداخل المحتلّ*
وبينما كانت عملية “ديزنغوف” متوقَّعة، فالأكيد أنها لن تكون الأخيرة، بل قد تُعتبر بداية لمرحلة جديدة من العمل المقاوم عنوانها عودة العمليات الفدائية في الداخل المحتلّ. وممّا يعزّز ذلك التوقّع، معطيات عديدة أبرزها استمرار المجازر الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين واتّساعها، وهي مجازر لا يمكن أن تستمرّ من دون ردّ، على قاعدة أنه لا أمن أو أمان للمستوطنين على حساب الدم الفلسطيني. ويُضاف إلى ذلك، وجود تَوجّه لدى الفصائل لتنفيذ المزيد من الضربات، بالاستناد إلى نجاحها في تشكيل خلايا نائمة، أو حتى تكليف فدائيين استشهاديين بالمهام، من دون إغفال العمليات الفردية التي لم تتوقّف. أمّا العامل الثالث، فيشي به ما جرى في مستوطنة “بيتار عيليت”، حيث دوّت صفّارات الإنذار أكثر من مرّة طيلة ليل الجمعة وفجره، وسط شلل للحياة، وعدم إعلان قوّات الاحتلال عن اعتقال الشابّ المسؤول عن زرْع عبوة ناسفة في إحدى حافلات المستوطنة، ومحاولة تفجيرها عن بُعد قبل أن يحول خلل فنّي ذلك. وتُعدّ هذه الواقعة مؤشّراً جديداً إلى إمكانية عودة العمليات التفجيرية، وخصوصاً أنها تأتي بعد نجاح عمليتَي تفجير عبوات ناسفة في محطّتَين للحافلات في القدس في تشرين الثاني، ما أسفر عن مقتل مستوطن وإصابة أكثر من 20 آخرين.
الأكيد، إلى الآن، أن عملية “ديزنغوف” ضربت إسرائيل في مقتل، إلى حدّ أنها دفعت رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى وصْفها من إيطاليا بـ”العملية الصعبة”، وذلك نظراً إلى جرأتها وتوقيتها ومكانها، وإمكانية تأسيسها لحقبة مختلفة من العمل المقاوم. وفي هذا الإطار، يرى الكاتب والمحلّل السياسي المقرَّب من “حماس”، مصطفى الصواف، في تصريح إلى “الأخبار”، أن “الضفة الغربية ليست بعيدة عن حماس وكتائب القسام، وإنْ كانت لم تعلن عن شيء وعملت بصمت كبير، ولكن كان لا بدّ بعد هذا العمل والإعداد، على ما يبدو، لكتائب القسام الظهور بهذا الشكل الواضح”. ويعرب الصواف عن اعتقاده بـ”أننا مُقبلون على أمور أكثر خطورة، سواء من الاحتلال الصهيوني، أو من المقاومة التي لن يقتصر ردّها على الضفة، بل سيكون في فلسطين المحتلة عام 1948، وعملية “ديزنغوف” التي نفّذها أحد أبطال القسّام تؤكّد هذا التوجّه”. ويَعتبر أن “عمليات الضفة وحدها لا تردع الاحتلال، ولكن هذا الاحتلال يحتاج إلى المزيد من القوة، وأكثر العمليات التي تؤلمه هي التي تكون داخل الأراضي المحتلّة عام 1948″، متوقّعاً أن “تتبع عمليّة ديزنغوف عمليات أخرى”.
ويلفت الصواف إلى أن “العمل المنظَّم بات واضحاً، وهذا يتجلّى في كتيبة جنين وكتيبة أريحا وعرين الأسود”، مضيفاً أن “العمل التنظيمي بات أكثر وعياً وعمقاً داخل الضفة الغربية، وهذا لا يمنع أن تكون هناك عمليات فردية”. وعن توعّد “حماس” بمزيد من العمليات، يرى أن “الأمور تتّجه إلى تصعيد أكبر في الفترة المقبلة، في ظلّ إصرار الاحتلال على عدوانه”، مشيراً إلى أن “لدى المقاومة الكثير في جعبتها، بل إن لديها ما يمكن أن يُحدث أزمة داخل الكيان الصهيوني، والمقاومة في غزة تُراكم القوة وتبني وتخطّط لعملٍ ما في لحظة ما، على غِرار ما جرى في سيف القدس”.
من جانبه، يعتقد الأسير المحرَّر والمختصّ بالشأن العبري، سعيد بشارات، أن “عملية ديزنغوف جاءت في توقيت مهمّ جدّاً، وهي رسالة إلى الاحتلال تؤكّد فشله في وقْف هذه الموجة من ردود المقاومة على مجازره، وبالتالي الاحتلال يدفع ثمن ممارساته الأمنية، ولا يوجد لديه أيّ حلّ سوى هذا الحلّ”، مضيفاً، في تصريح إلى “الأخبار”، أن “جرائم الاحتلال تطوّرت مع الحكومة الحالية، وتحوّلت إلى مجازر يومية لم تحدث مِن قَبل بهذا الشكل سواء بالوحشية أو العشوائية”. ويشير بشارات إلى أن “ردود الفعل الإسرائيلية على العملية كانت عادية، وتختلف عن ردود الفعل السابقة، وهذا يدلّل على إدراك المستوى السياسي والأمني أنه لا يمكن السيطرة أو وقْف هذه الموجة في ظلّ جنون الحكومة الإسرائيلية”، متابعاً أن “بنيامين نتنياهو الذي يزور إيطاليا تلقّى المعلومات ولم يقطع زيارته، بينما إيتمار بن غفير لم يجرؤ على الوصول إلى المكان كما جرت العادة، والمستوى الأمني اكتفى برفع تأهّبه ونشْر القوّات”.