كتبت النهار
بعد الاتفاق السعودي – الإيراني اصبح الاستحقاق الرئاسي في لبنان في عنق الزجاجة، بمعنى ان محور “الممانعة” بات عاجزا بشكل شبه كلّي عن فرض مرشحه المعلَن سليمان فرنجيه، لان فرض فرنجيه معناه ان ايران خرقت القاعدة الأساسية في الاتفاق التي تدعو الى تحسين العلاقات وتجنب الصدام المباشر أو غير المباشر بين القوتين الاقليميتين. من هنا فإن محاولة فرض فرنجيه من قِبل ذراع ايران المحلية معناه خرق روح الاتفاق من خلال انتهاج مسار تصادمي في لبنان. والمشكلة التي تواجه “حزب الله” هي ان فرنجيه دونه ورئاسة الجمهورية عقبات متنوعة ليس اقلها الظرف الإقليمي الذي يحول دون الذهاب حتى النهاية في محاولة ليّ أذرع المكونات السياسية اللبنانية المقاوِمة للهيمنة، ولا المزاج المسيحي العميق الرافض لاملاءات “الثنائي الشيعي”. ومع ان باريس تميل اكثر من اللزوم الى خيارات “حزب الله” الرئاسية، وهي تخوض معركة فرنجيه، على رغم ان الأخير يمثل كل ما شكا منه الرئيس ايمانويل ماكرون خلال عامين من الطبقة السياسية المُدانة منه ومن المجتمع الدولي على حد سواء، فإن باريس لا يمكنها ان تحسم المسألة اذا لم تقتنع الرياض التي يفترق موقفها عن موقف باريس على هذا الصعيد. وهنا يجب ان نسجل للمملكة العربية السعودية موقفها الرافض للابتزاز الذي يمارَس في ما يتعلق برئاسة الجمهورية، وبالتالي استبعادها المقايضة التي تُطرح من باريس، فيما هي من الناحية العملية استسلام تام لهيمنة “حزب الله” على الداخل اللبناني، والتسليم بسيطرته على كامل مقدرات البلد، ومؤسساته، وقراره السيادي.
نحن من المؤيدين لخفض التوتر بين الرياض وطهران. وبالتالي نحن مؤيدون للاتفاق السعودي – الإيراني ما دام يلاقي مصالح السعودية أولا، وايران ثانيا. لكن لبنان ليس للمقايضة كما يتوهم جماعة محور “الممانعة” الذين يطرحون مقايضة لبنان باليمن. هذا غير مطروح البتّة. وتأييدنا الاتفاق الإقليمي هو بنظرنا بمثابة فتح مسارات تطبيع الوضع في لبنان، من خلال تغليب مشروع الدولة، ووضع ملف السلاح غير الشرعي الذي يعمل في اطار وظيفة إقليمية على مشرحة لبنان، لا وضع لبنان على مشرحة مشروع “حزب الله”!
إن الحملة التي تُدار من اجل إيصال مرشح “حزب الله” من أوروبا الى بيروت يجب ان تواجَه بمنهجية ودقّة متناهيتين. فالحملة هذه منظمة، و”مليئة”، ولها روافد في جميع المكونات من خارج بيئة “حزب الله” السياسية. وهناك احصنة طرواده في كل مكان، وفي جميع الكتل، والقوى السياسية غير المحسوبة علناً على “حزب الله”. هذه يجب ان تُكشف، لانها في النهاية تخدم مشروع “حزب الله” الذي كنّا ولا نزال نعتبره الخطر الأول على لبنان، وذلك قبل الاتفاق وبعده! إن الاستحقاق الرئاسي محطة مفصلية، فإما ان تنظَّم معركة الدفاع عن استقلالية مؤسسة رئاسة الجمهورية، ثم مؤسسة رئاسة الحكومة بجدارة، وإما ان يفرض “حزب الله” خياره هنا وهناك كما كان الحال في الأعوام الأخيرة وكما هو الحال راهنا.
نقول ذلك لأننا نعتقد ان مهمتنا في منع الهيمنة يجب ان تتمحور حول موقعَي الرئاسة الأولى والثالثة معا. فالدفاع عن السراي الكبير لا ينفصل عن الدفاع عن قصر بعبدا، وكلاهما تحت الحصار. فلنرتقِ الى مستوى التحدي.