كتبت النهار
تحولات كبيرة تحصل في المنطقة وفي العالم، فيما لبنان غارق في حسابات السياسيين الوضيعة. لا يمكنه أن يؤثر في مجريات الأحداث، لكنه لا يحسب بدقة للتأثيرات عليه. تغيب الواقعية السياسية عن أصحاب القرار، فريق رأى في الاتفاق السعودي – الإيراني، انتصاراً لمحور إيران، وبالتالي تقدماً في حظوظ الوزير السابق سليمان فرنجية. فيما يراهن الفريق الآخر، على أن السعودية ثابتة على موقفها في رفض مرشح قريب من “حزب الله”، وان التفاهم ليس تنازلاً، وبالتالي فإن رهانات قوى 8 آذار، ليست في محلها.
تطمح بعض دوائر القرار الغربية الى مزيد من الانهيار في لبنان، لاعادة البناء من جديد. وهو رهان قامرت به تلك الدوائر في غير بلد ولم ينجح، وترى أنه كلما ازدادت الأمور تعقيداً، كلما دنت فرص الحل وفق القول اللبناني “إذا ما كبرت ما بتصغر”. في هذه الاثناء يقف اللبنانيون على رصيف الانتظار، فالظروف غير مؤاتية حالياً لإصلاح النظام، وإعادة النظر في الدستور، ولا رؤية واضحة، ولا مشروع متفقاً عليه، ولا دولة راعية لهذا المشروع. وبالتالي فإنه ليس من الضرورة أن يقابل الهدم المتعمد إعادة إعمار وفق معايير جديدة خصوصاً أن التركيبة اللبنانية المعقدة، بل “البالغة” التعقيد، والفساد المستشري الذي تستفيد منه فئات واسعة من المجتمع، يحكمان البلد بإحكام.
ان ربط المشكلة اللبنانية بالنزاع الايراني السعودي في غير محله، وفق ديبلوماسي عريق، وهو قول يقارب الحقيقة، وان كان لا يعبر عن الحقيقة كاملة. في الجزء الصحيح أن ثمة مشكلة داخلية كبيرة، أفرزتها الوقائع والأحداث، وأكدتها نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، التي لم تفرز أكثرية واضحة وبالتالي زادت الأمور تعقيداً، علماً أن الأكثريات أيضاً لا تستطيع أن تحكم في لبنان، وأن كان لها الأثر الفاعل.
أما الجانب غير الصحيح في مقاربة الديبلوماسي العريق لدولة فاعلة في المنطقة، ان لبنان غالباً ما عكس أوضاع المنطقة، وقد تدخل به العالم من الولايات المتحدة، وفرنسا، والسعودية، ومصر، وإيران، وسوريا، وإسرائيل… كان وضعه يستقر عندما تسوى الخلافات العربية، وكلما احتدمت ما بين الدول، كان الوضع في الداخل يتفجر.
المشكلة لبنانية بنسبة كبيرة، إذ أن اتفاق الداخل، ممكن أن يدفع الأمور قدماً، لكن هذا الداخل يحتاج دائماً الى رافعة خارجية، وهي حالياً سعودية – إيرانية الطابع، من دون إهمال الدور الاميركي – الفرنسي طبعاً. وهذه الرافعة يمكن ان تبلور اتفاقاً لا غالب فيه ولا مغلوب، وعندها يصبح اسم الرئيس تفصيلاً، اذ لن يعود من محور إيران، أو محور السعودية، ويصير التوافق الداخلي ممكناً.
ان عدم قراءة اللبنانيين التطورات والمتغيرات الحاصلة في العالم، سيجعلهم خارج الحسابات، وبدل أن يكونوا في قلب المعادلات، يصيرون مادة تفاوض على موائد الآخرين، فإما ان يقبلوا باتفاقات “منزلة” في حينها، أو يتركون لمصيرهم، وفق قاعدة “مخايل الضاهر أو الفوضى”.
في كتابه “الرواية المفقودة”، يتحدث وزير الخارجية السورية (آنذاك) فاروق الشرع عن لبنان، فيقول “كانت اللعبة أعقد من تقديراتي وزادتني هذه المعرفة نفوراً من الفوضى في الشأن اللبناني الذي لا تنفع فيه الذمم واحترام العهود. فكل شيء قابل للإنقلاب عليه والنكوص به”.
سواء أكان حديث الشرع، دقيقاً، أم غير ذلك، الا أنه يعبر عن حقيقة ما، ومن الخطر بمكان اعتبار الدول المهتمة بالشأن اللبناني، أن البلد لا تنفع فيه الذمم والعهود، وبالتالي التوجه الى عدم إيلائه الاهتمام اللازم، من دول صديقة وحليفة، أو كانت كذلك حتى الآمس القريب.