كتبت النهار
ينشغل المتابعون في سياسات ايران حيال التدقيق في كيفية تعامل مؤسساتها الرسمية المربوطة بحلقة المرشد السيد علي خامنئي وتقاطعها مع رئاسة الدولة ووزارة الخارجية والامن القومي في ادارة علاقات الجمهورية الاسلامية مع دول المنطقة والعالم، ولا سيما في المناطق ذات التأثير الايراني في الاقليم شأن اكثر من دولة.
حطَّ في بيروت رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية في طهران كمال خرازي، والتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب والامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وشخصيات اخرى. وردد في كل اجتماعاته أنه حضر للاستماع لا أكثر. ولا ربط لزيارته بالملف الرئاسي العالق ولا بأي تطور آخر، بحيث لا تسأل مسؤولاً ايرانياً في اي موقع يحتله إلا يقدم جواباً موحداً: “هذا الامر يتعلق بخيارات كتل مجلس النواب”. ولدى تكرار السؤال عليهم يحيلون السائل الى السيد نصرالله، “فلدينا كل الثقة بالخيارات التي يتخذها سماحته”. ولم يدخل خرازي في الملف الرئاسي على نحو مباشر، بل جرى التطرق اليه من باب العموميات مع تكراره موقف بلاده بأنها مع توافق الافرقاء اللبنانيين في مسألة رئاسة الجمهورية وعدم الاستمرار في تأخير اتمام هذا الاستحقاق، مع ميله الى الاعتراض على تدخل الخارج في استحقاق يخص اللبنانيين. ولم يخفِ الزائر ارتياحه الى الاتفاق بين دولته والسعودية، مع تشديده على استكمال ما تم التوصل اليه وترجمته على ارض الواقع. وهو اظهر امام مستقبليه وبطريقة غير مباشرة ان الامور غير مقفلة بين طهران وواشنطن، وان كل هذه التطورات ستكون لها جملة من الارتدادات الايجابية على المنطقة اذا أُحسِن استغلال مضمون اتفاق الرياض – طهران. خرازي من الرعيل الاول في الثورة التي انطلقت شرارتها قبل 44 عاما واحتل مناصب عدة في هرم الدولة كان أرفعها منصب وزير الخارجية في ولاية الرئيس محمد خاتمي. وهو عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وترتبط الادوار التي يقوم بها بالقائد مباشرة. كما انه من قماشة وزير الخارجية الاسبق علي أكبر ولايتي حيث تحرص القيادة على الاستفادة من خبرات هؤلاء وتجاربهم ولو بعد مغادرتهم الاضواء. ومعروف عنه انه من الداعين الى “سياسة التشبيك بين دول المنطقة”. وفي تصريح له قال ان ايران “باتت تقنياً قادرة على تصنيع القنبلة الذرية”، مع اشارته الى ان “فتوى المرشد تقول لنا اخلاقيا اننا لن ننتجها ولسنا بحاجة لذلك”.
ماذا يفعل خرازي في بيروت بعد اتفاق الرياض – طهران؟
حضر المسؤول الايراني الى دمشق اولاً والتقى الرئيس بشار الاسد ومنها توجه الى لبنان. ويمكن تلخيص زيارته بـ “الاستطلاعية” بحسب مصادر متابعة في طهران. وتأتي محطته هذه في اطار الاستماع الى عدد من الشخصيات اللبنانية والتي سيخرج في حصيلتها من موقع الباحث والسياسي ورئيس الديبلوماسية الايرانية سابقاً بتقرير يرفعه الى خامنئي. ولا تؤدي هذه المهمة الى تضارب في الصلاحيات بين الرجل ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي حضر الى بيروت قبيل توقيع الاتفاق مع السعودية، ووضع بري ونصرالله في خيوط الاتفاق الذي كان نُسج بحبر صيني مع المملكة من دون ان يدخلهما في التفاصيل. ويحظى خرازي بـ”ثقة الثورة” وقائدها وتربط عائلتيهما علاقة مصاهرة، وهو محلّف في رسم سياسات بلاده وتوزيع خريطة المسؤوليات وطريقة عملها والادوار المنوطة بها والتي تلتقي عند مكتب القائد بغية تسيير شؤون البلاد حيث تعمل الى جانب المرشد مجموعة من الوجوه المجربة في السياسات الخارجية والعسكرية والملف النووي لتتكامل جهودهم وابحاثهم مع السياسيين الرسميين الموجودين في الواجهة والذين يتواصلون مع العالم. ودرجت العادة في ايران ألا يذهب الى التقاعد مسؤولون وخبراء حتى لو تقدموا في السن، ولا سيما اذا كان في موقع الحلقة الضيقة من القائد. فعلى سبيل المثال، ان وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف عاد الى التدريس في الجامعة بعدما قام بالمهمات المطلوبة منه، لكن “المتشددين الاصوليين”، وإنْ غابوا عن المشهد، يبقون في دائرة خامنئي. وخرازي واحد من هؤلاء، على عكس المسؤولين “الاصلاحيين” الذين يغادرون الى منازلهم عند انتهاء مهماتهم من رؤساء ووزراء ونواب وديبلوماسيين. ورافقه في زيارتيه الى دمشق وبيروت أمين سر المجلس الاستراتيجي عباس عراقجي (المسؤول السابق عن مفاوضات الملف النووي) والسفير في بيروت مجتبى أماني. وتتكامل زيارتا خرازي وقبله عبد اللهيان الى سوريا ولبنان مع الحصيلة الايرانية الواسعة لجمع الافكار والاستماع الى المسؤولين في البلدين، ولا سيما بعد فتح قنوات التواصل بين طهران والرياض وهما في طريقهما الى تبادل التمثيل الديبلوماسي في خطوة ستكون لها جملة من الارتدادات بدءاً من اليمن الى بلدان المنطقة المعنية.