كتبت النهار
تداول ناشطون ومغرّدون في اليومين الماضيين، كلاماً منسوباً الى رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية في إيران كمال خرازي، مفاده أن بلاده تبارك تغيير النظام في لبنان، في ما لو حصل.
وبدا من الكلام المنقول أن زيارة خرازي في هذا التوقيت بالذات، بعد توقيع اتفاق مع السعودية، تدفع بهذا الاتجاه، أو تريد الاستثمار في الاتفاق لبنانياً في وقت باكر، خصوصاً أن مداولات الاتفاق لم تأتِ على ذكر لبنان، لأن الأخير وإن كان مادة تفاهم مستقبلي، الا أنه ليس في أولويات السياسة والاقتصاد أمام مصالح الدول الكبرى.
قد ترغب طهران في تغيير النظام في لبنان، كغيرها من الدول والأحزاب والطوائف وغيرها. انها رغبة دفينة عند كل مَن يتعامل في الشأن اللبناني.
ولتبيان هذا الأمر يكفي ما قالته قبل مدة مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربرا ليف التي تلتقي مسؤولين في بيروت منذ أمس. قالت: “هناك طروحات تقول إن انهيار لبنان سيمكّن بطريقة ما، من إعادة بنائه من تحت الرماد متحرراً من اللعنة التي يمثلها له حزب الله”. وفي هذا الكلام دعوة صريحة الى نسف النظام القائم، لإقامة نظام جديد. وهذه الرغبة الأميركية ترددت على لسان أكثر من مسؤول، وإنْ بطرق وتعابير مختلفة.
والنظام السوري الذي حكم لبنان زمناً، عمل في كل مرة، على تغيير وجه النظام، وإنْ أبقى ظاهره قائماً. وما القوانين الانتخابية التي كان يفصّلها هذا النظام، إلا إمعاناً في ضرب صورة لبنان، عبر الإتيان بأزلام يحققون إرادته، وتبيّن الوقائع تدخّله الفاضح في الإنتخابات من رئاسة البلاد الى البلديات، وإجباره مجلس النواب على اتخاذ قرارات أو التراجع عنها.
وسعت إسرائيل أيضاً الى إقامة كانتونات طائفية مذهبية في لبنان، تدعم وجودها، عبر تحوّلها جزءاً من نسيج قائم في المنطقة.
وقامت دعوة “حزب الله” في انطلاقته أواسط الثمانينات على إقامة جمهورية إسلامية في لبنان تتبع الوليّ الفقيه. ولم يختلف مشروع “داعش” كثيراً في محاولته إقامة دولة الخلافة في غير دولة عربية ومنها لبنان.
وداخلياً، يطمح الموارنة الى إعادة النظر في اتفاق الطائف الذي، وفق رأيهم، أفقدهم فاعلية الرئاسة الأولى، ونزع منها الصلاحيات، وجعلها أقرب الى الشكلية منها الى الفاعلية.
ويطمح الشيعة الى ترجمة “انتصاراتهم” وتعويض “حرمانهم” بنيل المزيد من المكاسب رسمياً، بعدما أخذوها فعلياً، وذلك عبر تعديلات دستورية، وتوزيع جديد للوظائف، وما إليها، وقد دعا الأمين العام لـ”حزب الله” أكثر من مرة الى مؤتمر تأسيسي.
وما الدعوات المتتالية الى الفيديرالية سوى شكل من أشكال الرغبة في “تطوير” النظام أو تغييره.
بالأمس، تحدث المسؤول الإيراني، رداً على سؤال عن “التغيير البنيوي للنظام في لبنان” فاعتبر أن “الظروف السائدة في لبنان لا تشبه زمن قيام الثورة في بلاده، وأن النسيج الاجتماعي في لبنان لا يسمح بهذه النقلة النوعية. وأما تطوير النظام في لبنان فنحن نثني عليه في ما لو حصل لأنه يفيد في تطوير الحياة السياسية لكنه يحتاج الى تعديلات دستورية ظروفها غير مهيّأة”.
ليس في الكلام دعوة صريحة، وإنْ كان ربما يخفي رغبة دفينة. لكن أساس الموضوع ليس رغبة من هنا ودفعاً من هناك، إنما اقتناع لبناني تولّد مع الزمن بأن النظام الذي قام منذ 100 سنة، بات ولّاداً للأزمات، ويحتاج الى تطوير ضروري وملحّ، يكون منطلقه لبنانيا ومنتهاه لبنانيا ايضا، إذا توافرت رغبة صادقة في بناء بلد للمستقبل.