كتبت النهار
ربما لم ينظر جيّداً الرئيس نبيه بري، ومعه الرئيس نجيب ميقاتي، إلى النهاية غير السعيدة للعهد القوي، وما آل إليه الرئيس ميشال عون في نهاية عهده، والمُتغيّرات التي رافقت انتفاضة 17 تشرين، إذ رغم خنق الانتفاضة من الميليشيات مدعومة بالأجهزة الأمنية، إلا أن ما انكسر لا يمكن إصلاحه، وهيبة بعض أهل السياسة ذهبت إلى غير رجعة. والاذكى هو الذي يحسب حساب النهايات، فلا يصير منبوذاً على مثال كثيرين، ويشطب في لحظة كل ما أنجزه وبنى عليه. ولا يكفي الجمهور الذي اصطفّ لوداع رئيس لدى مغادرته القصر، لان التاريخ يحكم بطريقة مختلفة عن الأزلام.
ليس واضحاً بعد ما إذا كان الرئيس بري قد افتعل المشكلة أو أنه أخطأ التقدير، لأنه وهو الأكثر حنكة، ودراية بالوضع السياسي اللبناني المعقّد، لم يكن ليدفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى قرار مماثل، يتوقّع أن تكون له تبعات، ولو لم يحسب أن تكون على هذا القدر من الاتساع والحدّة.
يرى البعض أنّ الرئيس بري نجح في جرّ خصومه السياسيين، المسيحيين تحديداً، إلى مستنقع موحل، وأحرق “مرشحي جعجع – باسيل”.
قد يكون بعض الأمر صحيحاً، إذ وسّع الخلاف الطائفي والمذهبي في البلد، لكن للأمر تداعيات ليس فقط على المسيحيين، وإنّما على مجمل الوضع.
أولاً: إن طريقة اتخاذ القرار تخلو من أية مسؤولية، ومن عدم إلمام تكنولوجي، ومن استخفاف بمجلس الوزراء.
ثانياً: إن القرار الذي اتخذه الرئيس ميقاتي أظهر تبعية، إذ أتى بعد رفض، وفي الأمر إساءة للموقع السني الأول في البلاد، وليس فقط إلى المسيحيين.
ثالثاً: إن إزاحة مجلس الوزراء، مجتمعاً، عن قرار حكومي، فيه استفرادٌ بالسلطة، وضربُ ما بقي من مؤسسات.
رابعاً: إن جرّ الخصوم إلى مستنقع، جعل البلد كلّه في الحضيض، وباتت عملية انتشاله أصعب من ذي قبل.
خامساً: إن جوقة “الردّيدة” التي أطلقتها في اليوم التالي كتلة “التنمية والتحرير”، جعلت المواجهة مع بري وليس مع صاحب القرار ظاهراً، أي الرئيس ميقاتي.
إن حملة التوقيت الصيفي لا علاقة لها بالدِّين، وبالصيام، وبرمضان، وبقبول الآخر، إنّما هي انتفاضة سياسية على الرئيسين معاً.
فالمسيحيّون رأوا قبل مدة في كلام الرئيس ميقاتي عن أن عديدهم في لبنان صار 19 في المئة، ما يُشبه التهديد والوعيد، إذ يحمل في طياته بلاغاً بأن عديدكم لا يسمح لكم بالتعجرف والاعتراض، وأن المناصفة القائمة (زوراً) هي منّة، فانتظر هؤلاء الفرصة السانحة للرد.
وأمّا الرئيس بري فالحساب معه يطول:
– “التيار الوطني الحر” في حرب مستمرة معه، ويعتبر أنه أفشل عهد الرئيس ميشال عون، وأن الفرصة باتت مؤاتية لتصفية الحساب بعد انتهاء الولاية.
– “القوات اللبنانيّة” وأحزاب مسيحيّة أخرى، تراه مُعطّلاً أيضاً للاستحقاق الرئاسي، عبر فرط عقد الجلسات وتطيير نصابها.
– والأحزاب المسيحية ومعها مرجعيّات دينية، ترفض أن يتفق “الثنائي الشيعي” على مرشّح مسيحي ويعملان على فرضه بقوة الأمر الواقع، خصوصاً بعد التقارب السعودي – الإيراني، وتخوفهم من انعكاسه لمصلحة الثنائي.
لهذه الأسباب وغيرها، كانت الانتفاضة، ولا علاقة للمسلمين والمسيحيين بها.
ماذا في تداعياتها الاضافية؟
إذا كان مُرشّحو باسيل – جعجع، وهم غير معروفين حتّى الساعة، خسروا السباق، فإن الأكيد أن مرشح الثنائي لن يحظى بأي غطاء مسيحي على الإطلاق بعد اليوم، وبالتالي فإن الانقسام سيدفع الى محاولة التوصل الى خيارات بديلة، أي في اتجاه الخيار الثالث.