كتبت النهار
لا ندري أيهما كان أشد بشاعة، مشهد لادولة يديرها ارتجال شخصي لا يصدق بخفة الاستقواء المذهبي والجهوي المزمن، أم مشهد تعبئة طائفية عارمة انفجر تحت وطأة الاستضعاف والعجز عن فرض توازن القوة؟ ومهما تكن خلاصات تلك العاصفة التي أكدت المؤكد في انهيار بقايا البقايا من لادولة ولاسلطة واشتداد شوكة العصبية الطائفية كمحرك أساسي لا يُقهر في المسمّى قديماً بلد الإشعاع التعايشي، لا ترانا ملزمين السكوت عن تكاذب ونفاق يفوران على مشهد التباكي والتذاكي أمام تعبئة قيل فيها إنها مسيحية فيما لم توجه إلا نادراً أصابع الاتهام المباشر بإذكاء هذه العصبية الى “فراعنة” هذا الزمن الانهياري البائس الذي أودى بلبنان الى الامّحاء.
لقد تبارى كثيرون في ذرف دموع التماسيح على المسيحيين لأنهم لا يتقنون التوحّد في انتخاب رئيس للجمهورية لا ندري بعد امّحاء الدولة والنظام والمجتمع اللبناني برمّته ما جدوى تمسّك المسيحيين به كمكوّن طائفي ما دامت خصائص التعدّد والتنوّع والديموقراطية الحقة قد هزمت وانسحقت وذهبت أدراج الهجرة المفتوحة على نهاية العنصر اللبناني بكل مكوّناته الطائفية. ومع صحة الموقف المبدئي من لوم المسيحيين لقدرتهم على توحّد وتعبئة في إطار رد فعل سلبي وعجزهم عن المثل في إطار إيجابي لفرض ملء الفراغ الرئاسي، نتساءل بصراحة: هل من قرأ في عين التينة وحارة حريك معنى أن يستعيد “المسيحيون” بالمعنى الطائفي والسياسي والتعبوي تحفزاً بهذا المدى على خلفية “إن عدتم عدنا” الى التعبئة العصبية ورفض الاستفراد وتالياً فرض رئيس الثامن من آذار أو السادس من شباط على سائر المكوّنات اللبنانية؟
بدا طبيعياً أن يذهب “الموقع السني” ضحيّة اشتداد العصف الرئاسي بين الثنائي الذي يختصر طائفته وقرار السلطة ويحتكر الدولة المنهارة ويتلاعب بتوظيف الفراغ والمكونات والقوى المسيحية التي وإن كانت تخوض صراعاتها الذاتية المقيتة فهي ليست المسؤولة الحصرية عن الفراغ كما يلهو الثنائي الشيعي باتهامها لحجب تبعات سياساته وارتباطاته الخارجية وحسابات الاستئثار السلطوي كأنه يريد تحويل لبنان برمّته اختصاراً لهيمنته المذهبية والسلطوية بالقوة القاهرة. وإن كان صاحب الموقع السني يتحمّل بنفسه تبعة إضعافه أمام ما جرى في موقعة التوقيتين فإن تبعة نفخ التعبئة المسيحية وغير المسيحية لن تقف عند حدود هذه العاصفة بل ستتعداها الى كل تفصيل مقبل ما دامت شياطين الطوائف خرجت من عقالها وباتت تتهدّد البلاد بمناخات الاعتمال الانقسامية الفادحة.
ولكن حذار المزيد من النفاق والتكاذب ورمي اللعنات على الطائفية فيما الذين يقيمون على فتح البلاد على هذا الدمار يزعمون في خصومهم ما هم مجبولون عليه. لن يؤخذ أحد بتلك المزاعم التي تقول إن الفراغ هو صنو الصراعات المسيحية وحدها فيما يجري مسخ الدولة اللبنانية بأبشع مظاهرها غداة صدور أخطر تقارير صندوق النقد الدولي عن واقع امتهان الإصلاحات والتسبب بالفراغ على أيدي سلطة 8 آذار الناهدة الى فرض رئيسها الثاني بعد الأول المتسبّب بكل هذا النعيم. لم يكن مشهد الاصطفاف المسيحي المذكر بذاك المشهد الذي أسقط في حقبة الحرب الراحل مخايل ضاهر من أن يكون رئيس التوافق السوري الأميركي سوى نتيجة تلقائية بديهية للانتفاخ الآخذ بالانتفاخ في عين التينة وحارة حريك بلا أي قفازات. وأي كلام آخر ليس سوى إمعان في الازدواجية والنفاق السياسي والإعلامي المنفجر على الشاشات والمواقع السياسية بلا هوادة.