لينا فخر الدين – الأخبار
أطاح وزير الاتصالات جوني قرم بفرصة إنهاء إضراب نقابة «أوجيرو» أمس، إذ ردّ على الأجراء المطالبين بتحسين رواتبهم بعد انهيار قيمتها، مهدّداً بأنه سيسلّم السنترالات إلى الجيش اللبناني، كما لو أن ضباط وعناصر الجيش لديهم ما يكفي من الأجور لزيادة الأعباء عليهم. كما أن هذا الموقف أتى ردّاً على مبادرة المدير العام لهيئة «أوجيرو» عماد كريديّة، الذي اقترح آلية تضمن حصول الموظفين على نسبة من رواتبهم بالدولار النقدي مقابل حصول الإدارة على نسبة من الدولارات النقدية اللازمة لعمليات الصيانة والتشغيل
استمرّت المفاوضات بين وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني قرم، ونقابة موظفي هيئة «أوجيرو»، حتّى ساعاتٍ متأخرة من ليل أول من أمس. محور النقاش كان يتعلق بالمبادرة التي طرحها المدير العام للهيئة عماد كريدية، والتي كانت ترتكز على آلية لتمكين أوجيرو من الحصول على مدخول بالدولار النقدي يتاح استخدامه في جزء من رواتب الموظفين وفي جزء من العمليات التشغيلية. وبحسب المعلومات، فإن الاتصالات الليلية أفضت إلى نتيجة مثمرة كان يفترض إعلانها في لقاءٍ بين قرم ونقابة الموظفين، على أنه كان يفترض أن تجتمع النقابة للتصويت على المقترح، لولا أن قرم كشف في حديث إذاعي «من قبل الضو» يقول فيه إنه تشاور مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تمهيداً لتسليم قطاع «أوجيرو» كاملاً إلى الجيش اللبناني.
لم يفهم موظفو أوجيرو سبب هذا التصعيد المفاجئ الذي «فركش» مبادرة كريديّة. وبدلاً من أن يزوره الأخير لنيل موافقته على الورقة، تحوّل الاجتماع إلى لقاء عتب بين الاثنين، إذ إنّ القرم بدا عاتباً على المدير العام لوقوفه إلى جانب الموظفين وتقديم الدّعم لهم، فيما اعتبر كريديّة أن هذا الأمر حتمي كونه موظّفاً أولاً، وكونه يقف وسيطاً بين موظفي أوجيرو وبين وزارة الاتصالات. على رغم ذلك، بدا لكريدية أن سبب تطيير الأجواء الإيجابية «غير مفهوم».
ثمة رأي وازن داخل «أوجيرو» يشير إلى أن ما يفعله الوزير الوصي، ليس إلا لحماية شركات الإنترنت الخاصة وشركتي الخليوي الذين سيتضرّرون في حال رُفعت تعرفة استئجار الـE1 (التسعيرة الحالية 475 ألف ليرة لبنانيّة)، ورسوم بيع الجيغا المُحدّدة حالياً بـ60 ألف ليرة لبنانيّة، على اعتبار أنّ الموظفين يتمسّكون بتحميل هذه الشركات مسؤولية تأمين «الفريش الدولار» في الورقة الإصلاحيّة التي تقدّموا بها، كأحد الحلول لتأمين الكلفة التشغيليّة للهيئة وتحسين أُجورهم وبدل النقل.
«لا إمكانية للجيش»
بالنسبة لهم، «لا مُبرّر لقرم حتّى يُفرمل مبادرة كريدية، إلا إذا كان يُريد تدمير قطاع الاتصالات»، مشيرين إلى أنّ التفاوض معهم كان أسهل بكثير من عمليّة تسليم القطاع إلى الجيش. صحيح أنّهم تمسّكوا بالتهدئة في بيان المجلس التنفيذي للنقابة الذي صدر إثر الاجتماع الطارئ الذي عقدوه، مؤكدين أنّ «جميع المراكز والمكاتب هي بتصرّفهم من المركز الرئيسي إلى آخر مركز على صعيد الوطن»، إلا أنّهم في قرارة نفسهم يرون أنّ قرار قرم هو أشبه بـ«تهبيط حيطان».
بعض الموظفين يشكّكون أصلاً في إمكانية تسليم المراكز إلى الجيش من دون قرار صادر عن مجلس الوزراء، فيما يؤكد البعض الآخر أنّ «الجيش مش فاضي» وأن لديه ما يكفي من الأعباء التي بدأت تثقل كاهل العناصر والضباط الذين يشعرون مثل كل العاملين في القطاع العام بثقل انهيار القيمة الشرائية للرواتب والأجور، فضلاً عن عدم قدرة عناصره على عمليّة الاستلام، ولو أنّ سلاح الإشارة لديه إمكانيّات عالية في المعلوماتيّة.
ويتساءل هؤلاء: «هل بإمكان الجيش أن يعرف الدينجونترات، أو المحافظة على حرارة الفيوزات أو تغيير بعضها خصوصاً أنّ هناك ملايين الفيوزات، وهل بمقدوره الدّخول إلى حسابات الموظفين المشفّرة من أجل الصيانة، ماذا يفعل الجيش في حال تعطّل المولّد، وهل بإمكانه التعامل مع أنظمة التحكّم؟». الكثير من الأسئلة التي تتردّد على ألسنة الموظفين والتي تؤدي إلى نتيجة واحدة: استحالة تسلم الجيش هذه المراكز.
هؤلاء لا يعتبرون أنّ قرار قرم مرتبط أصلاً بما اقترحه كريديّة على المسؤولين بتسليم 250 سنترالاً إلى وزارة الاتصالات حتى تُسيّر أعمالها، على اعتبار أن هذا الاقتراح أتى بالتنسيق مع المديريّة العامة للصيانة والاستثمار وكان نابعاً من عدم كوْن إضراب الموظفين عاملاً في توقّف المرفق العام ورداً على الاتهامات للنقابة بتعطيل بعض السنترالات.
«المبادرة ما زالت قائمة»
وعلى رغم كلّ هذه السلبيّة التي طغت على الأجواء أمس، إلا أنّ كريديّة ما زال متأملاً في الوصول إلى حل، رافضاً في حديثه لـ«الأخبار» أن يقول إن مبادرته قد نُسفت، ومشدداً على أنّه مستمر في عملية تدوير الزوايا. ولذلك، كان كريدية خلال اجتماعه مع الموظفين أمس حاسماً، وطلب منهم التهدئة وعدم التصعيد ريثما يتمّ تقريب وجهات النظر.
كما أسهمت الاتصالات إلى إصدار قرم بياناً اعتبر «إيجابياً»، وخلا من أي إشارة عن مطالبته بتسليم القطاع إلى الجيش. إذ جدّد التأكيد أنّه «يتفهّم هموم موظّفي الهيئة ويعي أحقيّة مطالبهم. ولذلك، يلعب دوره كوسيط ما بين النّقابة والمسؤولين المخوّلين اتّخاذ القرارات»، داعياً مجلس الوزراء إلى عقد جلسة طارئة وعلى جدول أعمالها ملف موظّفي «أوجيرو». كما شدّد على أنّ «الحوار هو الباب الأفضل لسلوك طريق الحلّ»، داعياً النقابة إلى فكّ الإضراب والعودة إلى لغة الحوار.
في حين لفتت مصادر النقابة إلى أنّ البيان يُمكن قراءته تحت شعار «أسمع كلامك أصدّقك، أشوف أمورك أستعجب»، مؤكدين أنّ الإيجابية الوحيدة التي ننتظرها هي موافقة القرم على الورقة الإصلاحية.
وأشار نائب رئيس النقابة مازن حشيشو إلى «أنّنا لسنا هواة تعطيل ولكننا نريد تأمين معيشة لائقة»، مشدداً على «أنّنا لسنا نحن من يُدمّر القطاع بل نُطالب بتحسين هذا القطاع.
وفي سياق متصل، أكملت نقابة «أوجيرو» أمس جولتها على أعضاء لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، وزارت النائبين سعيد الأسمر ومارك ضو لشرح وجهة نظرها، على أن تستكمل زياراتها إلى كلّ أعضاء اللجنة خلال اليومين المقبلين.