كتبت النهار
أشبه بالطرفة مطالبةُ وزير الاتصالات جوني القرم الجيش اللبناني بتسلّم مراكز “أوجيرو” لضمان تشغيلها في ظل إضراب الموظفين وتراجع خدمة الاتصالات والانترنت، والخوف من انقطاع لبنان عن العالم الخارجي.
وقبل مدة طالب وزير الطاقة وليد فياض، الجيش بأن يتولى ضبط الهدر في “مؤسسة كهرباء لبنان”، عبر المساعدة في إزالة التعديات عن الشبكات، وأيضاً المساندة في الجباية حيث تصعب المهمة، قبل أن يعلن لاحقاً بأن شيئا لم يحصل على هذا الصعيد، لينعى خطة الاصلاح، تمهيداً لرفع مسؤوليته عن أي انهيار محتمل في القطاع، المنهار أصلاً.
والأسبوع الماضي، حُكي عن إمكان تسلم الجيش والقوى الأمنية مصلحة تسجيل السيارات والآليات (النافعة)، لإعادة تشغيل المرفق المعطل بفعل الاضرابات والتوقيفات، والتحقيقات الجارية، والتي يبدو أنها لن تبلغ أي نتيجة.
المطالبات في ذاتها، تشكل فضيحة، وتؤكد سقوط الدولة المدنية بكل مؤسساتها، والتفكير الجِدّي باللجوء الى العسكر في كل مناحي الحياة. وهو النموذج الذي كان متّبعاً، بل مفروضاً، في أكثر من بلد عربي، وكان اللبنانيون ينتقدون الحكم العسكري في تلك البلدان، فإذ بهم بعد سلسلة من الخيبات، يطمحون الى أي نظام بديل يمكن أن يوفر لهم استقراراً معيّناً.
ماذا يعني أن يتولى الجيش الأمن الداخلي والتصدي للتظاهرات وأعمال الشغب، وحراسة أماكن العبادة، وساحات المهرجانات، ويساند كل الأجهزة الأخرى العاجزة عن القيام بمهماتها المحددة قانوناً؟ وماذا يعني أن يتولى الجيش إحصاء الخسائر بعد انفجار مرفأ بيروت، ثم الإشراف على توزيع المساعدات العينية والمالية؟
وماذا يعني إقحام الجيش في جباية فواتير الكهرباء، وفي الاتصالات، وفي مصلحة تسجيل السيارات، وأيضاً في أمن المخيمات، وفي إجراء مصالحات عشائرية؟… وماذا يعني أن يتوالى السياسيون على زيارة قائد الجيش باستمرار، (كأنهم أدنى رتبة منه) ويستجيرون به؟
في الظاهر، يبدو لبنان كأنه ينحو الى نظام عسكري، خصوصاً أنه كرّر في العقدين الأخيرين اختبار العسكر في رئاسة الجمهورية، وعدّل الدستور أكثر من مرة. وبات العسكر في أكثر من وزارة وإدارة، وتحوّل المتقاعدون الى خبراء استراتيجيين والى محللين عبر الشاشات والمنابر، كأن المؤسسات المدنية تفقد دورها وبريقها، والمدنيين يستسلمون لظاهرة العسكرة.
لبنان اليوم أمام خيارين في هذا المجال الخطير:
الأول: التسليم بالعسكرة، وتحويل كل قائد جيش الى رئيس للبلاد من دون اعتراض، واعتبار قيادة الجيش مرحلة إعداد واختبار للإنتقال الى قصر بعبدا، وتسليم كبار الضباط المسؤوليات في البلاد، كما الاستعانة بالجيش في ادارة المرافق العامة.
الثاني: التشدد في هذا المجال، والعودة خطوات الى الوراء، عبر رفض القبول بكل تعديل دستوري يكرّس العسكريتاريا، وصولاً الى البحث في تعيين قائد للجيش من غير الموارنة، فيعمل وفق الواجبات والقواعد العسكرية من دون التطلع الى رئاسة. وأيضاً عدم إقحام الجيش في ما هو ليس له قانوناً.
وعودة الى زيادة إقحام الجيش في المهمات، فإنه وجب التذكير بأنه إذا كان الموظفون مضربين بسبب رواتبهم المتدنية والضئيلة، فإن أوضاع العسكر المعيشية والحياتية ليست أفضل، بل على العكس تماماً، إذ يعيش العسكري على فتات المساعدات الخارجية، وبالتالي فإن إنهاك العسكريين بمهمات إضافية يمكن أن يجعل كأسهم تفيض أيضاً. وإذذاك تكون الطامة الكبرى.