كتبت النهار
من المستبعد أن تسفر اجتماعات باريس الأخيرة المرتبطة بالاستحقاق الرئاسي عن تعبيد طريق مرشح “حزب الله” نحو قصر بعبدا الرئاسي. فميل قصر الإليزيه الى المرشح سليمان فرنجية ليكون رئيساً مقبلاً للجمهورية غير كافٍ، وخصوصاً أنه لا يأخذ في الاعتبار الموانع الرئيسية التي تمنع وصول الأخير. أول هذه الموانع أنه مكشوف مسيحياً وبشكل كبير، ولا تكفيه بضعة أصوات من هنا أو هناك من بعض النواب المسيحيين المستتبعين لـ”حزب الله” أو لرئيس مجلس النواب نبيه بري لكي يعتبر أنه يحظى بمشروعية مسيحية حقيقية. فما لم يتمكن “حزب الله” من استمالة أحد الحزبين الكبيرين الممثلين في مجلس النواب الى الصف المؤيّد لفرنجية فالأخير سيبقى مجرداً من مشروعية مسيحية، لا يكفيه اسمه، ولا البيت الذي ينتمي إليه لكي يتجاوزه من دون أن يخلق أزمة ميثاقية كبيرة مردّها تصميم “الثنائي الشيعي” على تنصيب رئيس مسيحي ماروني ينتمي الى فريقه أولاً وقبل أي شيء آخر. المانع الثاني أنه بعد تجربة الرئيس السابق ميشال عون وقد كان حائزاً صفة تمثيلية أكبر بأشواط من المرشح سليمان فرنجية، فإن أي رئيس يتحكم به “حزب الله” سيكون مصدراً لأزمات لا نهاية لها، وذلك بصرف النظر عن مسار الاتفاق السعودي – الإيراني. فرئيس من فريق “حزب الله” معناه لبنانياً أنه فئوي وجزء من اصطفاف التحدي الداخلي، وإقليمياً هو جزء من المحور الذي تقوده إيران كيفما كانت علاقاتها مع المملكة العربية السعودية. والمانع ثالثاً إقليمي لا يمكن إغفاله لأنه إذا افترضنا أن ثمة جهداً لإقناع الرياض التي تمثل المحور العربي بتقبّل اختيار فرنجية لرئاسة الجمهورية بضمانات غير مباشرة من إيران عبر “حزب الله” بواسطة الفرنسيين ممهورة بـ”رعاية” صينية، فإن الأمر سيبدو وكأن محور طهران يرفض تسوية متوازنة في لبنان، ويطالب بـ”سلفة” عربية لستة أعوام مقبلة، وحده الله يعلم ما سيحصل خلالها، وكيف ستتطور الأمور في المنطقة. لا يكفي أن تقفل طهران بضع محطات تلفزة تحريضية عاملة تحت حماية “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لكي يتقبّل العرب وفي المقدمة المملكة بتسليم رئاسة الجمهورية اللبنانية ليكتمل ثالوث الوصاية الإيرانية على لبنان. فبين رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة التي حوصرت في الأعوام الأخيرة وسقطت، وأخيراً رئاسة الجمهورية، سيكون التسليم بفرنجية في قصر بعبدا بمثابة تسليم رقاب اللبنانيين لحكم “حزب الله” الأبدي. هذه ليست تسوية متوازنة مهما فعل ومهما قال الفرنسيون. إنها خطرة للغاية، للاعتبارات التي أوردناها ولغيرها من الاعتبارات الأخرى التي لا تخفى على أحد.
انطلاقاً مما تقدّم، نقول إن على المسيحيين كقوى حزبية وكتل برلمانية، وقوى المجتمع المدني والرأي العام المستقل، أن يسارعوا الى بلورة موقف موحد يقوم أولاً على رفض إملاءات “الثنائي الشيعي” بشأن الرئاسة، ثم الجلوس معاً، نعم معاً، لبلورة موقف موحّد من خلال الاتفاق على مرشح تسوية مسيحي واحد يمثل الخط المسيحي العريض. وأخيراً وليس آخراً استدراج مواقف داعمة من البيئات الإسلامية أي السنة والدروز، لحماية قرارهم وحرية بيئتهم. فللسنة تحديداً مصلحة في دعم خيار مسيحي متحرّر لأن المعركة المقبلة ستكون حول رئاسة الحكومة التي نجح الثنائي المشار إليه آنفاً أخيراً في استتباعه بشكل أو بآخر. ورئاسة الحكومة تحتاج إلى أن تكون متحرّرة من التبعية للثنائي تماماً كرئاسة الجمهورية. إنها معركة واحدة تتعلق بتوازنات لبنان.