كتبت النهار
بعيدا من أي مبارزة لفظية في رسم المعادلة الأخطر التي شهدها الجنوب اللبناني قبل أيام ومنذ صدور القرار 1701 لا نقلل دلالات التحذير من استنساخ محدث لـ”فتح لاند” عبر “حماس لاند”، ولكننا نذهب ابعد في الخشية من الأخطر هذه المرة. يصعب واقعيا تصور “تسليم” أي طرف لبناني وتحديدا “حزب الله” نفسه بتكرار دمار ماحق ان استعيدت تجربة فجرت “الحرب الاهلية” بعد “حرب الاخرين” ، ثم ان “حزب الله ” لن يقدم مطواعا كل ما يختصر العقود الأربعة منذ نشأته هدية ولو لشريك فلسطيني في منظومة محوره . الخطير في مجريات الأسبوع الماضي يتمثل أولا في احياء سياسة “ذراع الذراع” أي ان المنظمة الفلسطينية حماس كانت الذراع الفلسطينية لـ”حزب الله” الذي يوصف عادة بانه الذراع الأكبر لإيران، وها نحن كجنوبيين وكلبنانيين عموما تحت وطأة هذا الابتداع الذي مزق للمرة الأولى استقرار الستاتيكو الأطول عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
يقودنا هذا التطور الى دلالات وابعاد ومؤشرات استنفار هو الأشد خطورة على المستوى الإقليمي في ظل عاصفة الجنون التي اثارها وفجرها من دون شك التطرف اليميني الاخطر في إسرائيل عبر الممارسات الاستفزازية في المسجد الأقصى . مشروعية الخوف في لبنان مما جرى وما يمكن ان يجري لاحقا في أي وقت ، ان لبنان زج به قسرا بفعل انعدام الدولة فيه ، وانعدام المناعة السياسية اللازمة لحماية انجاز الاستقرار ومنع العبث والتوظيف والاستباحة في متاهة كادت ويمكن ان تستدرج البلاد الى حرب إقليمية بعيدا عن كل غطرسة في ادعاء الإمساك بزمام الأمور لحظة تفجير المغامرات . وان هذا الانزلاق الخطير لا مرد له بالرهان على خطوط حمر وحسابات توازن الرعب والردع وما اليها من معادلات مخادعة . فجأة رأينا الجنون اليميني الإسرائيلي الحكومي والسياسي والاستيطاني يشعل مشاعر العرب والمسلمين خصوصا عبر صورة تحقير المصلين في المسجد الأقصى . وفجأة أيضا اشتعلت مع غزة والضفة ارض الجنوب بصليات الصواريخ التي انذرت اللبنانيين قبل إسرائيل بنهاية هدنة 2006 الأطول حتى الان .
لذا ترانا لا نتمالك عن “توسيع” التقديرات والتساؤلات المريبة الأكثر من مشروعة حيال ما يسمى “وحدة الميادين” ، المشتق الاوضح والافصح والأكثر تعبيرا عن التباهي بتمدد واتساع النفوذ الإيراني ليس عبر “العواصم الأربع” العربية الشهيرة فحسب بل أيضا عبر ربط الاذرع بعضها بالبعض الاخر في لحظة “توظيف نادرة” لهدية قدمها اليمين الإسرائيلي المتطرف .
بما ان لبنان البلد المعني اكثر من سواه اطلاقا في استكشاف خفايا وخلفيات استباحته المرفوضة مجددا ، وبما انه اضعف اطلاقا من ان يحتمل لحظة حرب حقيقية سواء طالت او قصرت نظرا الى ان انهياراته أتت على كل مكامن المناعة والصمود فيه ، لذا سيتعين على اللبنانيين التوجس تماما ، والى اقصى حدود التوجس ، من تلك المصادفة التي جعلت ارض القليلة منصة للصواريخ العابرة لقرار “توحيد الميادين” على نار الاتفاق السعودي الإيراني . هل ثمة صلة مباشرة بين ولادة الاتفاق والبدء بوضعه موضع التنفيذ واشهار معادلة وحدة الاذرع الإيرانية في الشرق الأوسط تحت ستار توظيف سياسات اليمين الإسرائيلي ؟ هل تحصن ايران نفوذها الإقليمي وتفرضه ورقة إضافية في مكاسبها “يدعمها” ويسندها توظيف الرعونة الخالصة في سياسات حكومة نتيناهو ؟ وكيف للبنان ان يواجه اخطر المعادلات من مثل “تقاطعات الأعداء” هذه منعا لسحق بقايا بقاياه ؟