ندى أيوب – الأخبار
بسبلٍ شتّى، يجهَدُ وزير الداخلية والبلديات بسّام مولوي لإثبات جاهزية جهازِهِ الإداري ومعه كلّ الكادر البشري المعني بإنجاز استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية. لكن، خارج جدران وزارة الداخلية، الجميع غير جاهز، من أساتذةٍ وموظّفين وقضاة ممن يتصرّف مولوي وكأنّهم «مضمونون». ويُضافُ إليهم المُحافظون والقائمقامون «غير المستعدّين» لإجراء الانتخابات ربطاً بالمعوقات اللوجيستية التي تنتظر تمويلاً لا يزال مجهول المصدر. كما سقط من حسابات مولوي الإضراب المستمر لموظفي الإدارة العامة ما يصعّب إتمام المعاملات اللازمة للترشّح
حوّلت القوى السياسية البلديات كواحدةٍ من أذرع النظام وكرّستها مراكز نفوذ محلّية لن يكون من السهل خسارة بعضها. لكن بعيداً من غياب الإرادة السياسية لخوض الانتخابات، وعن همروجة المزايدات المُنتظرة في التصريحات بدءاً من اليوم من على منبر اللجان النيابية المشتركة، فإنّ كلّ ذلك لا يُلغي حقيقة أنّ انهيار القطاع العام ينعكسُ ضعفاً في قدرةِ الدولة على إنجاز استحقاقٍ دستوري كالانتخاباتِ البلدية، ويضعَها أمام تحدٍ جدي ازداد صعوبةً مقارنةً بِما كان عليه خلال انتخابات 2022 النيابية.
بعد أقلّ من شهرٍ تنطلقُ المرحلة الأولى من الانتخابات، وفي البحثِ عن الاستعدادات يظهر أنّ وحدها قوائم الناخبين جاهزة بعد تنقيحها من الداخلية. فتقنياً تحتاج الوزارة إلى أكثر من 10 آلاف موظف لهيئات القلم، و159 لجنة قيد ابتدائية و30 لجنة قيد عليا مؤلفة من 800 قاضٍ. وكان يُفترض بمولوي مُخاطبة الإدارات المعنية بالعملية الانتخابية لتعدّ جداول بموظفيها الراغبين بالمشاركةِ في الانتخابات. إلا أنّ روابط الأساتذة وكذلك موظفي الإدارة العامة كما القضاة، جميعهم يجزمون لـ«الأخبار»، عدم إثارة الملف معهم.
وعلى ما يبدو، ستلجأ الداخلية بترجيح مصادر، إلى إرسال إشعاراتٍ إلى الموظفين أنفسهم الذين شاركوا في الانتخابات النيابية، كسباً للوقت وتحايلاً على إضراب الموظفين. الرهان غير مضمون النتائج، خصوصاً أنّ أجواء الأساتذة والموظفين شديدة السلبية، وكثر منهم يفكرون بـ«عدم التبلّغ بذريعة الإضراب» للتهرب من المشاركة. ففي قتالهم لانتزاع حقوقهم برواتب وتقديمات معقولة يعطّل هؤلاء العام الدراسي ويشلّون وزارات ومؤسسات الدولة، ولن يكون من السهل عليهم مهادنة السلطة والذهاب إلى الانتخابات. فضلاً عن أنّه لم يغب عن ذاكرتهم كيف خدعتهم السلطة، وأخلفت بوعدها دفع مستحقاتِهم لحظة تسليم صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية في أيار (كان سعر الصرف 27 ألفاً)، والتي تقاضوها في أيلول على سعر صرف 37 ألفاً. ليبقى السؤال الأبرز لديهم حول قيمة البدلات نفسها المنوي دفعها، بما أن تكاليف التنقّل والمنامة والمأكل وغيرها تُحسَبُ ضمنها. وترد مصادر برفض ما أشيع عن بدلاتٍ تتراوح قيمتها بين ثمانية وعشرة ملايين ليرة.
*المحافظون غير جاهزين لوجستياً والأساتذة والموظفون والقضاة متوجّسون من غدر السلطة*
ومثلهم أيضاً، يتحفّظ القضاة على النقاط عينها، فهُم أيضاً قُضِمَت بدلات أتعابِهِم «الزهيدة» يومها. لكّنهم من حيث المبدأ يؤكّدون حرصهم على الاستحقاقات الدستورية، و«لا يعارضون» المشاركة. وفي هذا السياق علمت «الأخبار» أنّ وزارة العدل أرسلت إلى وزارة الداخلية أسماء القضاة المُراد انتدابهم، معتمدةً لائحة الأسماء التي شاركت في الانتخابات النيابية، ويبقى للقضاة الرافضين الانخراط في العملية الانتخابية تقديم اعتذارهم إلى وزارة العدل لتقوم بتأمين بدلاء عنهم.
يلعب مولوي «solo»، يمضي في دعوة الهيئات الناخبة وتأكيد الاستعداد لإتمام انتخاب نحو 1100 مجلس بلدي، عدد المقاعد فيها يفوق 12700 مقعد، يضاف إليها قرابة 3000 مجلس اختياري، وتحتاج العملية إلى تأمين آلاف أقلام الاقتراع في كلّ جولة من الجولات الانتخابية الأربع، تقع مسؤولية تجهيزها على المحافظين «الممتعضين» من وزير الداخلية الذي «لم يجتمع معهم ولا مع القائمقامين للوقوف على وجهة نظرهم حول إمكانية إجراء الانتخابات، ومعرفة تحدياتهم ومدى استعدادهم»، وفق مصادرهم التي تستهجن «تبلّغهم من الإعلام بدعوة الهيئات الناخبة»، خصوصاً أنهم «عاجزون عن تأمين التجهيزات اللازمة للمراكز من مولدات كهرباء ومازوت وأقلام وحبر وأوراق، طالما أن وزارة الداخلية لم تبلغهم بتأمينها»، مستعيدين ما واجههم من مصاعب في الانتخابات النيابية لجهة اللوجيستيات.
ينسحب هذا الوضع على عملية الترشّح نفسها التي باتت متاحة منذ 4 نيسان الجاري شمالاً. وبمعزل عن أن لا مرشحين حتى الآن، إلا أنّ المرشّح من حيث المبدأ بحاجة إلى الاستحصال على وثائق قيد وسجلٍ عدلي، من الصعب تأمينها وسط إضراب الموظفين واقتصار الأعمال في مؤسسات الدولة ودوائر النفوس والمحافظات والقائمقاميات على يومٍ واحد في الأسبوع. ولاحقاً من الصعب تسجيل الترشيح ودفع رسومه التي لم تتعدّل بسبب عدم انعقاد جلسات تشريع نيابية كان يُمكن استغلالها لتعديل القانون، وبالتالي لا يزال الرسم 500 ألف ليرة.