أحمد العبد – الأخبار
رام الله | مع انقضاء ثُلُثي شهر رمضان، تتّجه الأنظار إلى الأيام العشرة المتبقّية، والتي يُنظَر إليها كما لو أنها قنبلة ناسفة يمكن أن تنفجر في أيّ لحظة، إذا ما ارتكب العدو أيّ حماقة جديدة في المسجد الأقصى، وخاصة أن الأيام التي سبقتها أَرست توازنات دقيقة لا يمكن التنازل عنها، إذ لم يكن المسجد الأقصى، في أيّ فترة سابقة، مسنوداً بهذا الزخم من المقاومة التي وصلت رسائلها إلى الاحتلال كما ينبغي، مفتتحةً مرحلةً جديدة من المواجهة. مرحلةٌ يبدو العنوان الرئيس لها، أن الاعتداء على الحرم القدسي والمعتكفين فيه بالشكل الهمجي الذي شهده الأسبوع الماضي، سيولّد انفجاراً كبيراً في المنطقة قد لا تمكن السيطرة عليه، وخصوصاً في ظلّ التنسيق العالي المستوى بين أقطاب محور المقاومة، وتحديداً في فلسطين ولبنان وسوريا، وهي الجبهات الثلاث التي اشتعلت بالتزامن في غضون ساعات، مُحوّلةً إسرائيل إلى «ملطشة» تتلقّى الرشقات الصاروخية، بدءاً من جنوب لبنان الذي لم تفارق كوابيسه العدو، مروراً بجبهة الجولان التي بدّدت صواريخها الهدوء الهشّ هناك، وصولاً إلى قطاع غزة، وليس انتهاءً بالضفة الغربية، حيث الاشتباك اليومي، والضربات تحت الحزام التي توقع الخسائر البشرية، وتسخر من مؤسّسة الاحتلال الأمنية، فيما يظلّ احتمال دخول جبهات أخرى مِن مِثل اليمن أو العراق، على الخطّ قائماً. ويتّضح من طبيعة الردود تلك، والتي تُوّجت بلقاء علني بين رئيس مكتب «حماس» السياسي والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، انضمّ إلى لقاءات سرّية مكثّفة بين قادة «المحور»، أنها لم تكن انفعالية أو لحظوية، بل هي جزءٌ من معادلة يَجري العمل على تثبيتها ليلَ نهارَ.
في المقابل، يبدو أن إسرائيل استوعبت المعادلة جيّداً، وهو ما يشي به تراجعها في الأيام الماضية خطوة إلى الوراء، وقرارها عدم اقتحام المسجد القِبلي بعد صلاتَي العشاء والتراويح لقمع المعتكفين فيه، وفق ما دأبت على فعله في محاولة لتمرير عيد الفصح اليهودي الذي كان عاصفاً، ولكن هذا لا يعني أن دولة الاحتلال لن تسعى إلى كسْر تلك المعادلة، ولو بالقوّة. إلّا أن محور المقاومة يَظهر أنه ألزمَ نفسه بتكرار المشهد عينه في حال وقوع أيّ استباحة جديدة تتجاوز الخطوط الحمراء للأقصى، بل قد يمكن القول إنه بدأ بالخطوة الأولى في حرب استنزاف طويلة الأمد ضدّ إسرائيل، فيما سيكون التحدّي الأكبر أمامه الآن هو تثبيت مبدأ «وحدة الساحات»، وخاصة في ظلّ تقديرات من مستويات رفيعة بأن يشنّ جيش الاحتلال عدواناً مفاجئاً على قطاع غزة بعد انتهاء ما يسمّى «عيد الاستقلال»، أو عمليات اغتيال لشخصيات ذات وزن كبير، على غِرار ما جرى في غزة العام الماضي. وفي هذا الإطار، ربّما مَثّل الهجوم المنسَّق لمحور المقاومة خطوة استباقية لإحباط مخطّط إسرائيلي مزدوج، يشمل الدفع نحو إحداث تغييرات في الوضع القائم حول المسجد الأقصى، وفي الوقت نفسه تنفيذ اغتيالات لقادة المقاومة أو ضرب أهداف رئيسة ومركزية. وفيما تتّجه الأنظار إلى خطاب نصرالله المرتقَب في «يوم القدس العالمي»، وما سيحمله من مواقف ورسائل، يستمرّ التأهّب على المقلب الإسرائيلي، وسط تقديرات باشتداد حاجة الكيان إلى خطوةٍ ما، بسبب «تآكل» قدرة الردع، وتزايد السخط في صفوف المستوطِنين على أداء القيادتَين السياسية والعسكرية.
*انعكست التقديرات الأمنية المتشائمة على أداء بنيامين نتنياهو*
وممّا عزّز تلك النظرة المحبَطة إلى مستقبل الكيان، الردّ الباهت لجيش الاحتلال على «حفلة الصواريخ»، والذي جرت بلورته بناءً على قاعدة الخشية من تطوّر الأوضاع الى مواجهة مفتوحة تتوحّد فيها الجبهات من الشمال والجنوب في وقت واحد، ناهيك عن الوسط (الضفة والقدس)، وهو ما يعني سقوط آلاف الصواريخ يومياً على كلّ بقعة من فلسطين المحتلة. وفي هذا السياق، تركت رسائل المقاومة صداها لدى الدوائر الإسرائيلية والأميركية، فاتحةً الباب على جملة تقديرات وتكهّنات بشأن نوايا أطراف «المحور»، واستعداداتهم لأيّ مواجهة مقبلة، بل وخُططهم للتصعيد، إذ زعم مسؤول في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في حديث إلى قناة «سكاي نيوز»، أن «حزب الله يمدّ حماس بالصواريخ البعيدة المدى حتى تتمكّن من مهاجمة إسرائيل من الأراضي اللبنانية»، مضيفاً أن «الحرس الثوري الإيراني نقل المئات من عناصر حماس عبر مطار بيروت لتلقّي تدريب من قِبَل حزب الله في إطار نيّته فتْح جبهة شمالية ضدّ إسرائيل من دون تدخّل الحزب»، وأن «المخابرات الأميركية لديها معلومات تفيد بأن حزب الله يدرّب نشطاء حماس على تشغيل صواريخ بعيدة المدى متطوّرة». أمّا شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، «أمان»، فنبّهت إلى أن «احتمالات خوض إسرائيل حرباً خلال السنة القريبة قد ازدادت خلال الأشهر الأخيرة، وخاصة أن إيران وحزب الله وحماس هم على استعداد للمخاطرة والرهان بعمليات هجومية»، فضلاً عن أن التصعيد خلال شهر رمضان يندرج في إطار ثلاثة مسارات مركزية تؤدّي بمجملها إلى تغييرات في بيئة إسرائيل الاستراتيجية، وهي تراجع الاهتمام الأميركي بما يحدث في الشرق الأوسط، وتعاظم ثقة إيران بنفسها، وتزايد انعدام الاستقرار على الساحة الفلسطينية.
وانعكست هذه التقديرات الأمنية المتشائمة على أداء بنيامين نتنياهو، الذي لم يجرؤ على اتّهام «حزب الله» بأيّ مسؤولية عن إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، فيما وزير حربه، يوآف غالآنت، رفض اقتراح رئيس «الموساد»، خلال المشاورات الأمنية، استهداف أيّ مواقع أو مراكز للحزب، داعياً إلى الاكتفاء بردّ بسيط يضمن عدم تطوّر الاشتباك. وعلى المنوال نفسه، استمرّ رئيس حكومة العدو في تلافي الحديث عن المقاومة في لبنان، قائلاً في تصريحات مساء الإثنين إن إسرائيل «تتعرّض لهجوم إرهابي»، مؤكّداً أن تل أبيب ستعمل على «منع حماس من إقامة بنية تحتيّة في لبنان»، علماً أن الأمين العام لـ«حزب الله» كان تعهّد بأن استهداف لبنان أو اغتيال أيّ شخص مهما كانت جنسيّته فيه، سيؤدّي إلى ردّ سريع ومباشر من الحزب. وعلى ضوء هذه التطوّرات، تعيش المقاومة في غزة حالة تأهّب، مُدركةً أن الاحتلال قد يقدِم على شنّ عدوان مباغت، يريد من خلاله نتنياهو تصدير صورة نصر إلى جمهوره. وإذا كانت المقاومة الفلسطينية، ومِن خلفها المحور الداعم لها، قد كسبت جولة جديدة ومهمّة وذات أبعاد استراتيجية، إلّا أن ذلك يظلّ غير كاف، بالنظر إلى أن العدو لن يُسلّم بسهولة بالتوازنات الجديدة، وهو يبحث عن ضربة سريعة ومفاجئة وقاسية تعيد ترميم قوّة ردعه، الأمر الذي قد يؤشّر إليه استدعاء وزير الحرب، قبل أيام، قوات الاحتياط في سلاح الجو والدفاعات الجوية، ودعوته إلى تهيئة مستوطِني «غلاف غزة» لأيام صعبة للغاية.
وفيما تتزاحم السيناريوات المتوقَّعة على جبهات غزة ولبنان وسوريا، فإن جبهة الضفة الغربية تبدو ماضية في تصعيد ضرباتها الأمنية، كونها خاصرة العدو الرخوة، والتي منها يمكن المساس بأعمق مصالح إسرائيل، وتكبيد الأخيرة خسائر بشرية، فيما يفشل العدو إلى الآن في إنهاء حالة المقاومة المتصاعدة هناك، والتي تجلّت أحدث حلقاتها في عملية الأغوار التي قُتلت فيها 3 مستوطِنات، ونجح منفّذوها في الانسحاب من المكان. وخلال الساعات الماضية، رُصد نحو 20 عملاً مقاوماً في الضفة والقدس، أبرزها حادثتا إطلاق نار، ووقائع إلقاء عبوات ناسفة وزجاجات حارقة واندلاع مواجهات، أدّت الى إصابة 3 جنود من جيش الاحتلال: أحدهم بعد رشقه بالحجارة خلال مواجهات في باب الأسباط في القدس، واثنان خلال اشتباكات في مخيم العين في نابلس.