كتبت النهار
ليس غريباً أن تستيقظ هواجس اللبنانيين وكوابيسهم حيال مخلفات الحرب في الذكرى الجماعية لديهم حين عادت مؤشرات استباحة الجنوب خصوصاً لتحويله منصّة بالوكالة عما كان يسمّى الصراع العربي الإسرائيلي وصارت هذه التسمية اليوم موضع شك عميق لألف سبب وسبب. تصادف هذه الاستفاقة الذكرى الـ48 لـ13 نيسان، التاريخ الذي يضاهي لبنانياً 11 أيلول أميركياً وعالمياً، بما يعني أن أسوأ ما “اقترفه” الفريق اللبناني المهيمن بنفوذه المسلح والحزبي في الجنوب بتركه فصيلاً فلسطينياً يعاود العبث بأسوأ ما تختزنه الذاكرة اللبنانية هو أن تلاعب واستسهل واستخفّ بهذه الناحية القاتلة لدى جمهوره وطائفته ومذهبه أولاً كما لدى جميع اللبنانيين.
ومهما يكن المنطق التبريري الذي سيطلع به السيد حسن نصرالله اليوم على الأرجح في الرد على تحميل حزبه تبعات استعماله لحركة حماس “ذراعاً للذراع” حتى من زاوية التصدّي للتطرّف الليكودي واليميني الإسرائيلي المتطرف، فلن يكفي ذلك أبداً لتبديد الشكوك الكبيرة التي نشأت عن انزلاق “حزب الله” بعيداً من الخطوط الحمر القاتلة التي كان ينبغي عليه عدم العبث بها مهما تكن اعتباراته وذرائعه لطمس تبعات عروض النفوذ الإيراني في توظيف اسم فلسطين وقضيتها والصراع مع إسرائيل عبر الجنوب اللبناني.
يقودنا ذلك في ذكرى 13 نيسان تحديداً الى القضيّة التي صارت أشد خطراً على كينونة لبنان وهويته ومصيره بما يتجاوز بكثير، في ظروف لبنان والمنطقة والعالم راهناً، تلك الظروف التي عرفتها بداية الحرب قبل 48 عاماً، أي إخضاع لبنان بما لم يسبق له أن عرفه من اجتياحات، لتوطين شعب آخر برمّته مع شعبه على ما يجري في مجريات كارثة النازحين السوريين. لا ترانا في حاجة الى التغرغر والمزايدة والمغالاة في التعبير أمام ما صار معروفاً ومكشوفاً ومثبتاً من كوارث متناسلة لهذه الكارثة الى درجة “توسّل” فئات لبنانية أن تلقى المعاملة والمعونات الدولية التي يتلقاها “شعب النازحين” السوريين في لبنان الذين تجاوزت أرقام التقديرات الأخيرة لأعدادهم الخيال نفسه مع بلوغهم حدود المليونين ونصف المليون نازح تبعاً لأرقام جهاز الأمن العام. تقترب قضيّة النزوح السوري بكل وضوح من نقطة تفجيرية بالغة الخطورة على لبنان واللبنانيين والنازحين السوريين أنفسهم بما لا يبدو معه بعض الأفرقاء اللبنانيين كأنهم يعيشون في لبنان أو يدركون الخطورة الفائقة لتطورات هذا الانفجار الديموغرافي المتدحرج. يجري ذلك فيما الفريق الممانع بالذات يصمت صمتاً مريباً ومشبوهاً عن كل ما يمت بصلة الى معالم الاستباحة جنوباً والى شبهة التوطين السوري في سائر أنحاء لبنان. يلهو هذا الفريق ويتلاعب بشغف الاقتصاص من خصومه ويسدّد إليهم، أو أقله الى معظمهم قياماً وقعوداً، الاتهامات بالنزعات التقسيمية ويشيطن أهدافهم السياسية ويرميهم بشتى النعوت المقذعة فيما يحجب عن ناسه وسائر الآخرين انغماسه في تسهيل التوطين السوري تحديداً. لا يكفي هذا الفريق أن يتذرع الآن بانزلاق الدول الخليجية والعربية عموماً الى أسوأ ما سنراه في تعويم نظام الأسد الذي تسبّب بتهجير نصف الشعب السوري الى لبنان وتركيا والأردن من دون ضمانات قاطعة وحاسمة بإعادته الى سوريا شرطاً لإعادة دمشق الى الجامعة العربية. العرب لم يكونوا يوماً ولم يكتووا يوماً مكان اللبنانيين ولن نراهن عليهم بعد 48 سنة عقماً. في ذكرى 13 نيسان هل لديكم ما تقولونه “كممانعين” في خطر يستنفد أوصاف الخطورة؟