لينا فخر الدين – الأخبار
في انتظار صدور قانون التمديد للمجالس البلديّة والاختياريّة، بعد نشره في الجريدة الرسميّة الأسبوع المقبل، تتحضّر بعض الكتل النيابيّة للطعن فيه أمام المجلس الدستوري. الإبطال هو السيناريو المرجّح استناداً إلى قرارٍ مماثل صدر عن المجلس عام 1997، إضافة إلى تضمّن القانون أكثر من مخالفة دستورية
يسلك قانون التمديد للمجالس البلديّة والاختياريّة الذي أقره مجلس النوّاب أول من أمس، مساره إلى التنفيذ بعدما وقّعه الرئيس نجيب ميقاتي إثر إحالته من رئاسة مجلس النواب إلى رئاسة مجلس الوزراء، وعرضه في جلسة مجلس الوزراء تمهيداً لنشره في الجريدة الرسميّة الأسبوع المقبل. في المقابل، تعدّ أكثر من كتلة نيابيّة كحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب وبعض النواب «التغييريين» مجموعة من الطعون في القانون أمام المجلس الدستوري.
عدد من المراجع القانونيّة يؤكد عدم دستوريّة التمديد لتضمّنه أكثر من خرقٍ قانوني. يبدأ الأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدستوري، وسام لحام، من أنّ الثغرة القانونيّة تكمن في «عدم إمكانيّة التشريع في ظل حكومة تصريف الأعمال، استناداً لفقه المراجع الدستوريّة والتجارب الفرنسيّة. وهذه النقطة كانت تُثار قبل 2015، إلا أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري يصرّ على عكسها». أما في الشكل. فيُعارض لحام نظرية أن مجلس النوّاب في ظل الشغور يتحول هيئة ناخبة لا يحق لها التشريع، إذ سبق للمجلس أن أقرّ بين 2014 و2018، في ظل الشغور الرئاسي، عدداً من القوانين التي طُعن بها أمام المجلس الدستوري الذي لم يشر إلى أنّ مجلس النوّاب هيئة ناخبة وليست تشريعيّة.
وإذا كان القانون، في الشكل، تشوبه ثغرة قانونيّة، فإنّ المحتوى يتضمّن أكثر من مخالفة دستوريّة. عميد العلاقات الدولية في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ بول مرقص يشدد على أنّ «التمديد للبلديات والمخاتير باطل دستورياً لأن لا ظروف قاهرة تحتمه، ولا يعتبر عدم توفير التمويل مبرّراً لتأجيل استحقاق انتخابي ذي أجل معروف ومحدّد. كما لا يعود للمجلس النيابي تسويق التقاعس عن إجراء الانتخابات وتبنّيه باقتراح قانون». فيما يُفنّد لحّام أكثر من نقطة دستوريّة. «فالحكومة أكدت في بيانها الوزاري التزامها إجراء الانتخابات النيابيّة والبلدية، وأجرت فعلاً الانتخابات النيابية. وبالتالي، ليس هناك ظرف استثنائي يمنع إجراء الانتخابات البلدية بالمعنى الدستوري». إذ إنّ «الظروف الاستثنائية في الدستور تعني وقوع حالة غير متوقّعة ولا يُمكن للإرادة البشريّة أن تتحكّم بها كالزلزال مثلاً، في حين أنّ ما يمنع إجراء الانتخابات كإضراب الموظفين مثلاً، هو من الأمور المتوقّعة، وأكثر من ذلك، نتيجة تقاعس السلطة السياسية. وعليه، لا يُمكن للسلطة التذرّع بأمر أنتجته بنفسها لتعتبر أنه استثنائي وغير متوقّع».
*لا يعود للمجلس النيابي تسويق التقاعس عن إجراء الانتخابات وتبنّيه باقتراح قانون*
يشدد لحّام على أنّ «تأجيل الانتخابات يُعد خرقاً متمادياً للدستور (لأنّه التمديد الثاني)، وتحديداً لمبدأ دوريّة الانتخابات وممارسة اللبنانيين لحقهم في الانتخاب والترشّح وإدارة شؤونهم الذاتيّة، فيما لا يحق لمجلس النوّاب خرق مبدأ دوريّة الانتخابات الذي يتمتّع بالقوّة الدستوريّة وفقاً لاجتهادات المجلس الدستوري». والأهم، هو ارتكاب خرق أكبر عند صياغة القانون من النائبين جهاد الصمد وسجيع عطيّة، بسبب اعتماد مصطلح «مهلة أقصاها» في الصيغة التي أقرّت: «التّمديد للمجالس البلديّة والاختياريّة، لمدّة أقصاها سنة تنتهي في 31/4/2024». في رأي لحّام، ارتكب مجلس النواب بذلك مخالفة دستوريّة وفقاً لقرار المجلس الدستوري الذي يحمل الرقم 2\97 في طلب إبطال القانون رقم 655 لعام 1997 الذي قضى بتمديد ولاية المختارين والمجالس الاختيارية.
يذكّر مرقص ولحّام بهذا القرار الذي قضى حينها بإبطال قانون التمديد، لجهة تشابهه مع القانون الحالي، خصوصاً أنّ أعضاء «الدستوري» استندوا في الإبطال حينها إلى عبارة «مهلة أقصاها» إذ رأوا أنّ «تحديد التاريخ الذي تجري خلاله الانتخابات، سواء النيابية أو البلدية أو الاختيارية تدخل في دائرة القانون، ولا يملك المشترع أن يترك للسلطة الإدارية، تحديد هذا التاريخ في الوقت الذي تراه ومن دون الاستناد إلى معيار معين، وذلك لكي تتسم الانتخابات بطابع الموضوعية وتكون بمنأى عن سوء استعمال السلطة». كما أشار القرار الذي استند إلى الفقرة «ج» من مقدّمة الدستور والمواد 7 و17 من الدستور، إلى أنّ «هذا التمديد لم يبرر بأية ظروف استثنائية، ولا توجد ظروف استثنائية تبرره بدليل قيام الدولة بإجراء انتخابات نيابية سنة 1992 وسنة 1996 وانتخابات فرعية عامي 1994 و1997، فيكون هذا التمديد قد عطل مبدأ دستورياً هو مبدأ دورية الانتخاب وحرم الناخب من ممارسة حق الاقتراع خلافاً للمادة 7 من الدستور وحال دون حق الجماعات المحلية في إدارة شؤونها الذاتية بحرية تطبيقاً للمفهوم الديموقراطي الذي نصت عليه مقدمة الدستور». وعليه، يعتبر لحّام أنّ اعتماد مصطلح «مهلة أقصاها» يعد «اعتباطياً ويخلّ بمبدأ الانتخابات وانتظامها والتحضير لها خصوصاً أنّ لا وقت متوقّعاً بالمعنى القانوني، بالإضافة إلى المخالفة الدستوريّة».
إلى «الدستوري»
كلّ ذلك، يشي بأنّ طريق الطعن بقانون التمديد في المجلس الدستوري معبّد. هذا ما يؤكّده مرقص بإشارته إلى أنّ «الأسباب الموجبة المستفيضة التي أملت إصدار القانون من حيث ترك المجال للحكومة إجراء الانتخابات في أقرب وقت خلال مهلة التمديد وعدم تقديم ترشيحات في دوائر معينة وسواها، هي من المبررات الدستورية والواقعية في ظل حالة الشلل في الإدارة والقضاء والإضرابات التي قد تسعف في تفادي عملية الإبطال من المجلس الدستوري إذا جرى الطعن أمامه».
وهو ما يقوله لحّام أيضاً، إذ يلفت إلى أنّ الطعن يكون بعد صدور القرار في الجريدة الرسميّة، مشيراً إلى أنّ ما فعله ميقاتي أمس في التوقيع على القانون بعد نيْل موافقة مجلس الوزراء من دون توقيع الوزراء، هو ليس خرقاً للقانون خصوصاً أنّ مجلس الوزراء يحلّ مكان رئيس الجمهوريّة في حال الشغور في موقع الرئاسة الأولى. ويوضح أنّه بعد تقديم طلب الطعن إلى المجلس الدستوري يُعيّن المجلس مقرّراً تكون مهمّته رفع تقريره إلى المجلس، على أن يجتمع المجلس بعد استلامه التقرير لاتخاذ القرار المناسب خلال مهلة أقصاها 15 يوماً. ويُمكن للمجلس تعليق العمل بالقرار إلى حين البت بالطلب، مشيراً إلى أنّ لا مهلة واحدة أمام المجلس إذ إن لكل خطوة مهلتها. أمّا عن اتخاذ القرار، فيجيب لحّام أنّ المجلس عادةً إمّا أن يقوم بإبطاله كلياً أو إبطاله جزئياً أو اعتباره قانونياً. في المقابل، يمكن للمجلس الدستوري ألا يخرج بقرار بشأن الطلبات المقدّمة أمامه، وهو ما حصل أكثر من مرة سابقاً، بحجّة مقاطعة بعض الأعضاء للجلسات وعدم اكتمال النصاب، أو عدم حصول القرار النهائي على الأكثريّة المطلوبة المُحدّدة بـ8 من أصل 10 أعضاء.