كتبت النهار
قد يكون أسوأ ما يواكب الموجة الصاعدة بقوة لافتة في وصفة تسويق ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية كـ”المرشح المتقدم” الأول للرئاسة ان تستعاد معه ظروف مخيفة صاحبت فرض مرشحين حصريين وإيصالهم قسراً الى بعبدا أيام الوصاية السورية. لا فرنجية سيفيد من هذه المعادلة، اذ صح ان “انقلابا” سعوديا طرأ او سيطرأ ويوصله الى بعبدا، ولا ثمة أي ضمانات لمرور انتخاب صدامي مفترض كهذا من دون تداعيات قد تكون الاخطر من فرضه.
ذلك ان تصاعد معادلة تخيير “المسيحيين” بين انتخاب مرشح تقف ضده غالبية القوى والكتل الكبيرة لديهم او تدفيعهم ثمنا جديدا لا يحتملونه للتحوّل السعودي – الإيراني يشكل أسوأ نماذج التسويق الداخلي أو العربي أو الغربي لهذا التحول لانه يدرجه في اطار خلفية طائفية بغيضة وسقيمة مفادها ان تحولاً سنيا – شيعيا يتدحرج الآن وعلى المسيحيين اللحاق به لئلا يسحقهم كأقليات “منقرضة”!
لن نفترض انه جرى التسليم من الآن بهذه المعادلة حتى ثبوت العكس، ولا سيما من الطرف السعودي العربي المعني، ولكن ذلك لا يعني تجاهل خطورة الأثر القاتل لاستعادة أسوأ ظروف فرض الرؤساء “المعيّنين” سابقا بقوة معادلات كانت تتحدى الغالبية اللبنانية وليس المسيحية وحدها، وتحديدا في العهدين الاوّلين بعد الطائف علّ في التذكير عبرة لمن يعتبر من النافخين اليوم في عمى الدعايات العمياء. قام عهدا الياس الهراوي واميل لحود الممدد لكل منهما من خيار وقرار سوريَّين خالصَين أديا واقعياً الى تشكيل المعارضة اللبنانية الأقوى للوصاية السورية والتي كانت الأحزاب والتيارات المسيحية رأس حربتها الأساسية. انكسرت قاعدة تحدي الغالبية المسيحية حصراً في فرض الرؤساء بعد انتخاب الرئيسين ميشال سليمان وميشال عون ولو ضمن ظروف وخصائص انتخاب كل منهما، اذ ان كلاً منهما وصل بمساحة واسعة من التعدد الطائفي والسياسي والحزبي، وهي واقعة لا مردّ لانكارها من هذه الناحية بصرف النظر عن المواقف من كلا العهدين والرئيسين السابقين.
الخطورة التي تتصاعد معالمها منذ أيام، مع النفخ المضخم في مجمل المعطيات المتصلة بالملف الرئاسي على خلفية الزعم بانزياح رياح التسوية السعودية – الإيرانية الى مصلحة فرنجية، انها تنذر باستعادة مناخ الرئيس المفروض بقوة تحوّلٍ خارجي على اللاعبين المحليين، وتاليا فعلى المسيحيين المعارضين لهذا التحول اللحاق به والاستسلام لموجباته سلفا لئلا يجدوا أنفسهم على رصيف الإهمال والتهميش وتكبد الخسائر الجسيمة. هو المنطق الذي يفسر تهاطل النصائح لـ”المسيحيين” باللحاق بالركب وكأن الركب هذا صار امرا واقعا فعلا، وكأن الآخرين غير المسيحيين جميعا ساروا في ركابه أيضا. وقد يكون أسوأ السوء ان يوضع او يقبل مرشح كسليمان فرنجية أو أي مرشح سواه، على أحقية حقه في الترشح ضمن أصول ديموقراطية صرفة، في خانة انه الهابط مجددا من معادلات خارجية لإسقاطه على غالبية من طائفته ترفض انتخابه، ناهيك عن بُعد لا يستقيم إلا مع ارتضاء منطق طائفي يسبغ على “التحول الاستراتيجي” المفترض ان يكون كذلك، الذي تشهده المنطقة وهو الاتفاق السعودي – الإيراني فيغدو عندنا، اتفاقا ذا خلفية سنية – شيعية فقط لا غير…
قد يكون العامل الإيجابي المبكر في هذا المناخ الطارئ ان يستثير الكلام عن استعادة ما أدى تكرارا الى الكثير مما نشهده من خراب وطني، علّ الذاكرة تلجم مزيدا من هذا الفائض!