كتبت النهار
يتباهى “حزب الله” غالباً بأنه لا يسقط في تناقضات المعادلات التي تحمل ازدواجية متضاربة أو تخبطاً انفعالياً غير مدروس وأنه يتفوّق في هذه الميزة من خصائصه المزعومة على سائر القوى والأحزاب اللبنانية. وتبعاً لذلك لا ترانا نجد تفسيراً منطقياً لتساؤل تتصاعد موجباته الملحة في الآونة الأخيرة: هل يدرك الحزب أو هل تراه يعترف أو هل بلغت مسامعه ملامح تراجع “خطير” في ميزته المزعومة تلك في ظل التضارب الآخذ في التصاعد في “معادلاته” التهويلية المتصلة بأزمة الرئاسة؟
أكثر الحزب في الآونة الأخيرة، على نحو لافت وغير معتاد في نمط توقيته لما يراد له من إحداث دويّ في مواقفه، من إطلاق معادلات التهديد وتحميل الخصوم تبعات الفراغ الرئاسي على قاعدة افتراضه أن الاحتماء والاختفاء والتخفّي وراء مضيّه في ترشيح ودعم ترشح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية يكفي وحده متراساً عازلاً لتحميله تبعات تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية العتيد منذ ستة أشهر. لسنا في معرض الخوض في الجدل العقيم الذي لا جدوى منه في تظهير التبعة التاريخية لـ”حزب الله” كقوة “رائدة” أقحمت موازين القوى المختلة في الأصول والممارسات الديموقراطية الأمر الذي قوّض أو كاد يقوّض تماماً، في ظل وقائع العقد الأخير، النظام اللبناني القائم على مبدأ وفلسفة وطبيعة التوازنات التي تواكب وتتواءم مع الأحكام الدستورية. المقصود الآن هو إمعان الحزب في معادلة ثلاثية الأضلاع تتوسّل واقعياً وضمناً وجوهراً ممارسة الضغوط القاهرة الطويلة المدى بهدف فرض انتخاب مرشح الحزب ولا يمكن تجاهل البعد التهويلي فيها مهما بلغت بلاغة الحزب في نفي ممارسة أي ضغط خارج أطر اللعبة السياسية.
هذه المعادلة تنضح عملياً بتهويل سياسي لإخضاع الخصوم أو انتشال المتردّدين من مواقعهم وإقناعهم بالتسليم للحزب بهيمنته. الضلع الأول يقوم على إعادة تجربة المجرّب بالكامل في توسّل ضغط الفراغ لفرض انتخاب رئيس الجمهورية وهو أمر يثبت أن الحزب يسقط بكثير من المخاطرة والمغامرة المحاذير الضخمة للتعامل مع تجربة فرض العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد فراغ قسري طال لمدة سنتين ونصف السنة وتجربة محاولة فرض سليمان فرنجية بآليّة الفراغ والضغط نفسها مسقطاً ومتجاهلاً كل الويلات والكوارث المتأتية من العهد السابق، كما كل المتغيرات الداخلية الزلزالية التي نشأت ويمضي في ذلك كأن لا انهيار حصل ولا كوارث وقعت على لبنان واللبنانيين. الضلع الثاني في هذه السيبة المثلثة الأضلاع تقوم على معادلة التهديد إما بالقبول بالمرشح المدعوم منه وإما الفراغ أو إقصاء الخصوم. والضلع الثالث الأحدث عهداً يتوسل تطوير التهويل بالتلويح بالفوضى الشاملة التي تحمل شتى أنواع الأخطار الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
هذا التطور قياساً الى قوة حزبية استثنائية في تركيبتها وممارساتها وارتباطاتها المعروفة يجعلنا أمام حالة تخبط إما عفوية، وهذا ينطوي على شكوك في حزب لا تحرّكه عادة إلا الاستراتيجيات ولا مكان في أدبياته لما يسمّى “العفوي”، وإما متعمّدة وهنا سيظهر منسوب الخطأ القاتل الموصوف الذي يرتكبه الحزب في انكشافه. لا يمكن القفز أمام تضارب يسود معركة فرض مرشح بهذه الطريقة فيما يتصاعد الزعم بامتلاكه “الضمانات” الحاسمة بالمونة على الحزب. ولا تستوي نبرة التهويل بالفراغ والفوضى وتهديد الخصوم مع تسويق المرشح وتعريضه لهذا التشويه. لا نزعم امتلاك ما يحرك هذه المعادلة لكن تناقضاتها تستثير السؤال عما إن كانوا يريدون فعلاً نهاية سعيدة لمرشحهم؟!