يمكن القول إن الخلاف الأول بين السعودية والإمارات، بدأ مع ترسيم حدود المملكة السعودية من قبل مؤسسها عبد العزيز آل سعود، إذ تمدد باتجاه أراضي الامارات وقطر وسلطنة عُمان، حيث كانت واحة “البريمي” منطقة الخلاف. وباعتبارها المشيخة الأقوى، فرضت السعودية على الإمارات اتفاقية حدودية سميت باتفاقية جدة عام 1974، تمكّنت من خلالها الحصول على مساحة من الأراضي الغنية بالنفط في المنطقة الحدودية، مقابل اعتراف السعودية بالإمارات كدولة، وقد كان. حاولت الإمارات تصحيح الأمر لاحقًا لكن دون تجاوب يُذكر من السعودية. وحاولت المشيختان طيلة الفترة الماضية إظهار التحالف والشراكة في ظلّ المصالح المشتركة للجيوسياسة والأمن. غالبًا ما يجد الجانبان تسوية مؤقتة حتى عندما لا يكونان متفقين تمامًا. إلا أن التنافس بينهما بدأ يظهر أكثر حدة في الاقتصاد، والصراع على النفوذ، ولا تخفِ الإمارات مساعيها لتسيّد الدول الخليجية.
“العلاقات الوطيدة” إثر الربيع العربي هي حالة شاذة
وعلى الرغم من التعاون الوثيق الذي حدث على إثر إعادة الاصطفاف في السياسة الخليجية التي حدثت بعد عام 2011 أو ما يسمى الربيع العربي، حول محور الرياض-أبو ظبي، وأدى إلى تقليل تأثير احتجاجات الربيع العربي على دول الخليج وحلفائها في المنطقة، إلا أنها التصدعات عادت إلى الظهور، حيث يمكن وصف “العلاقة الوطيدة” التي شهدها الإقليم بين الطرفين هي حالة شاذة. واستمرت الإمارات باعتبار السعودية من بين أكبر التهديدات الأمنية، على إثر اتفاقية جدة. في منتصف عام 2000، تدخلت المملكة العربية السعودية لإحباط مشاريع الجسور وخطوط الأنابيب البحرية بين الإمارات وقطر. وبعد أقل من شهر من موافقة مجلس التعاون الخليجي على خطط في عام 2009 لإنشاء اتحاد نقدي مع بنك مركزي مشترك يقع في الرياض (وليس دبي)، أعلنت الإمارات العربية المتحدة فجأة انسحابها. ورد السعوديون بإغلاق الحدود مؤقتًا.
مقاربات متباينة للتعامل مع الأزمات الإقليمية
تختلف تصورات التهديد بين الرياض وأبو ظبي فيما يتعلق بالصراعات الإقليمية. يعتبر الإماراتيون جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات التي تتبنى الإسلام السياسي أنها أخطر تهديد لبقاء ممالك الخليج. وحافظت على علاقة حذرة مع إيران في حين كانت الرياض تعتبر أن إيران هي التهديد. في ليبيا، أدى القلق على النفوذ من صعود الإسلام السياسي إلى قيام أبو ظبي بدور عملياتي أكثر نشاطًا من الرياض، لدعم خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي.
وفي اليمن، سرعان ما بدأت الخلافات على تقاسم مناطق النفوذ، ورغبة الإمارات بأن تحصل على الريادة بدل السعودية، بدأت تروج لنفسها على أنها البديل في ظل قصور وتقصير الجانب السعودي على المستويين الأيديولوجي والقانوني والاقتصادي.
أما في السودان، تدعم أبو ظبي بشكل علني وواضح قوات الدعم السريع المتمثلة بحميدتي، في حين تفضل السعودية دعم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، واليوم تقترح السعودية مفاوضات في الرياض بين الخصمين، وقد وافق الطرفان على إرسال ممثلين لهما. واليوم، وعلى الرغم من عدم وضوح معالم صراع واضحة بين الطرفين في السودان، إلى أن سعي السعودية، على خطى الإمارات، لتطوير منافذ جديدة على البحر الأحمر للسيطرة على التدفقات التجارية وتعزيز مكانتها في سلاسل التوريد العالمية، بالإضافة إلى الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي الزراعية، كل ذلك يشي بصراع في الظلّ بين الطرفين.
التنافس على المقرات الإقليمية والمشاريع الكبرى
يتحدث المسؤولون السعوديون مع شركات في جميع أنحاء العالم بشأن فتح مقار إقليمية في المملكة، وتقديم إعفاءات ضريبية وحوافز أخرى لتحويل عاصمتهم الصحراوية إلى مركز أعمال عالمي ينافس دبي، تعتبر منذ فترة طويلة هي القاعدة الإقليمية للشركات العالمية.
وعلى خط آخر، تحتدم المنافسة في قطاع النقل البحري والخدمات اللوجستية، تعد دبي من بين أكبر خمسة مراكز عالمية للشحن البحري والخدمات اللوجستية في العالم. في حين يمثل ميناء جبل علي والمنطقة الحرة (جافزا) ثلث الناتج المحلي الإجمالي للإمارة. الذي تعتبره الإمارات محور استراتيجيتها لتكريس نفسها على أنها “دولة رابطة”. في المقابل، قدم السعودية في رؤية 2030، استراتيجية طموحة في البنيى التحتية التكنولوجية والنقل، والخطط جارية لتحويل ميناء الملك عبد العزيز بالدمام (KAPD) إلى مركز حاويات ضخم، ولإنشاء ميناء لوجستي جديد ومتكامل في ميناء جدة الإسلامي.
إن اشتداد المنافسة السعودية الإماراتية في قطاع النقل البحري والخدمات اللوجستية هو جزء من المنافسة الأكبر داخل الخليج على موقع للاستحواذ على أحجام تجارة البضائع الإقليمية المتزايدة التي تتدفق غربًا من آسيا. والأهم من ذلك، أن دفع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لتوسيع قدراتهما على الشحن والخدمات اللوجستية يحدث على خلفية الوجود الاقتصادي الصيني المتنامي في الخليج والبحر الأحمر (القرن الأفريقي) وجهود بكين لإنشاء شبكة إنتاج وتجارة على طول طريق الحرير البحري. سعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى الاستفادة من المشاركة الاقتصادية العميقة للصين في ساحتي الخليج والبحر الأحمر لغرض تعزيز التنويع الاقتصادي والأهداف الجيوسياسية الخاصة بهما.
مسارات اقتصادية مختلفة لعالم ما بعد النفط
عام 2021 كانت الإمارات تقاوم الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية وروسيا لإقناع أعضاء أوبك + بمواصلة تقييد إنتاج النفط. عاقبتها المملكة العربية السعودية بعدم اعتبار السلع المنتجة في المناطق الحرة “محلية الصنع”بعد الآن، وهو عرض العديد من المنتجات الإماراتية للتعريفات الجمركية.
تسعى الإمارات والسعودية اليوم إلى فطام اقتصاديهما عن اعتمادهما على الهيدروكربونات، إلا أنها لحين الوصول لذلك، ثمة خلاف على حصص انتاج النفط، وحول الأولويات الاقتصادية الوطنية. مثل محاولة الرياض لجذب الشركات المتعددة الجنسيات بعيدًا عن دبي وأبو ظبي، حيث يتقدم الإماراتيون بالفعل في مسألة الاقتصاد غير النفطي، وقد استثمروا منذ عقود في السياحة والنقل وقطاعات أخرى. إنهم حريصون على أخذ عائدات النفط بالإضافة إلى الاستثمار لضرورة التنويع. وتحقيقًا لهذه الغاية، تنفق الإمارات المليارات على البنية التحتية النفطية، حتى تتمكن من زيادة الإنتاج وكذلك الإيرادات.
في هذا الوقت، كان السعوديون أبطأ بكثير في القطاعات غير النفطية المتنامية في اقتصادهم، وبالتالي سيحتاجون إلى مزيد من الوقت لتقليل اعتمادهم على الهيدروكربونات. تم الكشف عن العديد من هذه الاستثمارات لدى زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، حيث تبين أنها تعتمد سياسة التنويع في استثمارات الصندوق الوطني للثروة السيادية، الذي يحتاج بدوره إلى أسعار النفط وإيراداته لتظل ثابتة. وتعتقد الرياض أن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي ترك النفط في الأرض لأطول فترة ممكنة
الكاتب: زينب عقيل