كتبت النهار
بصرف النظر عن التنافر التقليدي بين القوى المسيحية المعنيّة بالاستحقاق الرئاسي، لا بد من الإشادة بالتقاطع الحاصل بين الكتل المسيحية الثلاث في البرلمان التي تمثل معاً، ومعها عدد من المستقلين، الغالبية الكبرى من التمثيل المسيحي في السلطة التشريعية على رفض إملاءات “الثنائي الشيعي” بترشيح سليمان فرنجية. هذه نقطة إيجابية تسجّل للقوى الثلاث بمعزل عن تقييمنا لمسوّغات كل طرف من الأطراف التي دفعته الى اتخاذ القرار معارضاً ترشيح فرنجية، ومعه التقاطع المريب بين “الثنائي الشيعي” وباريس الذي خلق مناخاً مسيحياً ولبنانياً سلبياً تجاه السياسة الفرنسية المتبعة في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي. صحيح أن باريس تحاول اليوم بكل الوسائل إزالة هذا الانطباع الذي ترسّخ في أذهان اللبنانيين حول تواطؤ مستغرب مع “الثنائي الشيعي” لفرض فرنجية وهذا أمر جيد. وصحيح أن باريس سوف تبادر في وقت ليس ببعيد الى تغيير أسلوبها، أقله إعلامياً، لشرح موقفها على أنه ليس داعماً لأي مرشح بل إنه داعم ودافع للإسراع بإتمام الاستحقاق الرئاسي لأن لبنان يحتاج الى تشكيل مؤسساته الدستورية، والتفرّغ لتنفيذ خطة إنقاذ طارئة. لكن هذا المسعى يحتاج أكثر ما يحتاج الى أن ينسحب الفرنسيون من المناورة الرئاسية، وأن يتوقف الحديث مع الفرقاء اللبنانيين والعرب عن فرنجية وغير فرنجية. فمرشح “الثنائي الشيعي” لا يتمتع بتأييد بيئته ولا بتأييد المناخ السيادي والتغييري والإصلاحي. إنه يعتمد على قوة دفع “الثنائي الشيعي” وتواطؤ بعض الأطراف من خارج البيئة الشيعية التي لا يخفى على أحد سبب استقطاب كلّ منها لمصلحة معركة فرنجية الرئاسية. واللافت حتى الآن أن يدور الحديث على الاسم، لا على المواصفات الجدّية، ولا على الأفكار والتصورات التي تتعدّى إطار الكلام السطحي المتداول.
لكن ماذا عن الخيارات المتاحة لإسقاط ترشيح فرنجية؟ أولاً، يجب الاتفاق على أن الترشيح لا بد من إسقاطه مهما كلف الأمر. ثانياً، من أجل ذلك يجب على القوى البرلمانية الثلاث الرئيسية ومعها ثلة من النواب المستقلين الاستفادة من زخم الرأي العام المسيحي الرافض إملاءات “الثنائي الشيعي” والسير في الاتجاه الصحيح من خلال تصليب الموقف الرافض ومنع أي اختراقات تستهدفه. ثالثاً، لتحصين الموقف الرافض لا بد من فتح قنوات التواصل المتعددة الاتجاهات، والعمل على تحديد نقاط التقاطع حول مرشح يحظى بأوسع تأييد مسيحي. رابعاً، أن يرفد هذا التوجّه استقطاب تأييد من خارج البيئة المسيحية التي ترفض أيضاً إملاءات “الثنائي الشيعي” وتخشى أن يصل إليها الدور في ما بعد. وخامساً أن يُفتح حوار مع “الثنائي الشيعي” لإقناعه بأن المرشح ليس عدوّاً، ولكنه يمثّل وجداناً مسيحياً، سيادياً، إصلاحياً وتغييرياً حقيقياً يسعى لأن يكون شاملاً جميع مكوّنات البلد. ففي نهاية المطاف يبقى الرئيس لكل لبنان.
انطلاقاً ممّا تقدّم، نحن في انتظار أن يخرج المكوّن السياسي المسيحي من حالة ردة الفعل، الى حالة الفعل المشترك بغض النظر عن التنافر المعروف بين أطرافه. فإنقاذ رئاسة الجمهورية أساس، على طريق إنقاذ رئاسة الحكومة التي يجب أن تُنتزع من براثن الهيمنة والوصاية الراهنة، وغيرها من المؤسسات الدستورية المستتبعة. إن موازين القوى التي يتذرّع بها الفرنسيون لا تحددها القوة وحدها بل إن سلاح الموقف له وزن كبير حتى من دون صواريخ!