كتبت النهار
مع أن الفريق “الممانع” في لبنان سقط في خطأين “استراتيجيين” حتى الساعة في مسار حساباته لإيصال زعيم “المردة” سليمان فرنجية الى قصر بعبدا فإن النظرة الموضوعية الأوسع تقتضي التنويه بأن القوى اللبنانية قاطبة تبدو في أسوأ حالاتها أمام ذاك الغامض المسمّى الاتفاق السعودي الإيراني. بدءاً بـ”الممانعين” لأنهم يملؤون فضاء الأزمة الرئاسية بنفخ الصدور والتخلي عن “خجل” الاعتراف بالرهان على اندفاعة فرنسا والتوعّد لخصومهم بالإقصاء إن لم يسلّموا بالصفقة، ترانا أولاً أمام تضخم ومغالاة لدى هذا الفريق حيال تصوّر مفاعيل الاتفاق السعودي الإيراني لم تثبت بعد متانتها وحقيقتها في لفح المنطقة كلها بآثارها، كما يقال، ولا على الأقل وصلت هذه المفاعيل الى لبنان بالصورة المسطحة و”البهورة” المنتفخة التي يرفعها حلفاء طهران استباقاً لكل تطوّر جدّي قد ينشأ عن هذا الاتفاق. ثم إن هذا الفريق ألحق تباهيه المتسرّع بالصفقة الموعودة مع الفريق الرئاسي الفرنسي الذي لا يزال يندفع في خيار دعم فرنجية بالتقليل الانفعالي المبالغ فيه من أثر ممارسة سياسات مستنسخة من أيام “الوالي السوري” الذي لا يزال يشكل له، رغم دمار سوريا على يد نظام بشار الأسد، الإيحاء الشغوف فاستعار أسوأ ما انتهجه مع اللبنانيين بالقوة القاهرة حين كان يفرض حكام لبنان الصوريين ويحكم عبرهم.
هذان الخطآن الاستراتيجيان ليسا من الطبيعة التي تمحوها تطورات يراهن الفريق الممانع أن تكون إيجابية لمصلحته لاحقاً وتسمح بإيصال المرشح الذي يدعمه لأنه حتى في حال افتراض ذلك فإن تداعيات سلوكيات الممانعين في إدارة معركة دعم فرنجية باتت تشكل واقعياً نقطة الضعف الأكبر في لائحة التحفظات عن وصوله. بصرف النظر عن بعض “الكلام المعسول” الذي صدر عن “حزب الله” بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني لبيروت للتخفيف من غلواء وعيد قادة هذا الحزب بالفوضى وبإقصاء الخصوم عن الشراكة في السلطة، وضع “الممانعون” النهج الحقيقي المفروض طوعاً أو قسراً على “عهد سليمان فرنجية” ويصعب للغاية محو هذه “الضمانات” الحقيقية التي كشفت على ألسنة قادة الحزب لا كزلّات لسان بل كمواقف هي الأقرب والأصدق في كشف حسابات الحزب حيال عهد مرشّحه…
أما في المقلب الأوسع من تلقي تموّجات الاتفاق السعودي الإيراني فالحال أن أي تطور خارجي يعني المنطقة ومن ضمنها لبنان لم يكن بمستوى الغموض الذي يبدو عليه راهناً بالنسبة الى سائر القوى والنخب اللبنانية. ولعل أفضل ما يمكن أن يصلح مقياساً لموقف متوافق عليه بين إيران والمملكة العربية السعودية في ملف الأزمة اللبنانية هو أن يعتمد فعلاً “التحييد” المشترك ظاهرياً الذي ظهر كلامياً أقله في مناسبتين متعاقبتين أخيراً من بيروت تحديداً. وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان تعمّد الظهور بمظهر “المتعفف” عن توريط بلاده في الصراع اللبناني على انتخاب رئيس الجمهورية واحتمى بعبارة “الاتفاق والتوافق” بين اللبنانيين التي كرّرها عشرات المرات كآية من آيات الديبلوماسية الحيادية. وبعد أيام قليلة لم يقدّم السفير السعودي وليد بخاري العائد لتوّه من الرياض ما يشفي غليل أيّ جهة لبنانية، حتى الأصدقاء للمملكة، لجهة الكشف عن أيّ اتجاه واضح علني سوى التحصّن بموقف مبدئي وراء “خيارات اللبنانيين” علماً بأن السفير هو أكثر العالمين بأن الجميع في لبنان والعواصم المعنيّة يتسقطون تطوّرات الموقف السعودي “بلهفة”. أتراها “النسائم الأولى” لترك السباق لبنانياً وتحييده عن حسابات المعطّلين والمغالين؟