رئيس الحكومة يحوّل القوى الأمنية إلى ميليشيا لمنع إنفاذ القانون
صحيفة الأخبار
للمرة الثانية أمس، تصدّت ميليشيا «حزب الغولف» لموظفي بلدية وشرطييها، ولكن هذه المرة بمؤازرة واضحة من «ميليشيا أمنية»، كان آمرها يصرخ في وجه موظفي البلدية «معنا أوامر من أعلى المراجع» بمنعهم من تنفيذ قرار بلدية الغبيري إقفال النادي لامتناعه عن دفع الرسوم البلدية عن 409 آلاف متر مربع يشغلها ضمن نطاق الغبيري البلدي. ما لم يقله آمر الدورية التي اعتدت على موظفي البلدية بالضرب واعتقلت أحدهم وصادرت آلياتهم، جهر به أحد أعضاء «ميليشيا» النادي علناً أمام الكاميرات، عندما صرخ في وجه الموظفين: «شو جايين تعملوا؟ الدولة والدرك والجيش والحكومة ومجلس النواب معنا ضد معن الخليل»! بحسب المعلومات، فإن «أعلى المراجع»، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، طلب من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، متجاوزاً وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، إرسال دورية لمنع البلدية من المسّ بنادي زملائه الأثرياء، ولو تطلّب الأمر استعمال القوة
في كل مرة «يُدقّ» بمصالح المصارف وأصحاب رؤوس الأموال وكل من ينضوون في شريحة الـ 1% من اللبنانيين، يصوّر هؤلاء الأمر كـ«مؤامرة لشطب المعالم الحضارية التي تضع لبنان في مصاف الدول المتقدمة». وفي سبيل هذا «الوجه الحضاري»، ليس مهماً احتلال أملاك الدولة ولا التهرب الضريبي ولا سرقة أموال المودعين ولا كل ما يرتكبه «الحضاريون»، ومنهم «حضاريو» نادي الغولف الذين يتمتعون بحماية «حضاريي» المنظومة السياسية. في سبيل ذلك أيضاً، كل «الأسلحة» مسموح استخدامها، بما فيها السلاح الطائفي.
أمس توجه موظفو وشرطيو بلدية الغبيري (وهي، بالمناسبة، سلطة محلية منتخبة)، في محاولة ثانية (بعد أولى جرت آخر شهر رمضان الماضي) لتنفيذ قرار المجلس البلدي (الصادر في 10/3/2023) بإقفال نادي الغولف مؤقتاً والحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة، بسبب رفضه تسديد الرسوم البلدية المتوجبة عليه لإشغاله نحو 409 آلاف متر مربع تقع ضمن نطاق الغبيري، تنفيذاً لقرار صادر عن مجلس شورى الدولة بتحصيل هذه الرسوم.
الطوق السياسي الذي فرضه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول رئيس النادي كريم سلام بعدما التجأ اليه الأخير بصفته «زعيم الطائفة» حال دون إعطاء بلدية الغبيري حقوقها. إذ تحوّل الأمر من سعي بلدية إلى تحصيل حقوقها من نادٍ تسلّط على الأملاك العامة، إلى «لعبة شيطانية» ومحاولة لـ«السطو على النادي لإزالته وإحكام سيطرة الميليشيات» على «أحد المعالم الوطنية» الذي لا يُسمح لغير المحظيين والأثرياء بالاقتراب منه، علماً أن البلدية لا تملك متراً واحداً من المساحة التي يحتلها نادي الغولف وليس بوسعها تحويله الى استثمار خاص أو عام، إلا أن من حقها استيفاء الرسوم طالما أن النادي يقع في نطاقها.
بعد المواجهة الأولى بين البلدية وقوى الأمن، قبيل عيد الفطر، تلقى رئيس بلدية الغبيري اتصالاً من وزارة الداخلية برغبتها التوسط بين النادي والبلدية. إلا أن وزير الداخلية بسام مولوي ألغى اللقاء مع وصول رئيس البلدية معن الخليل وفريقه الى الوزارة، بسبب انزعاجه من دعوة الأخير وسائل الإعلام لتغطية الزيارة، فيما توجّه أمس رئيس النادي ورفاقه الى السرايا الحكومية للقاء ميقاتي، الذي أكّد دعمه لهم بمخالفة القانون والتمنع عن دفع الرسوم البلدية، علماً أن قيمة الاشتراك في النادي كانت قبل 2019 نحو 3 آلاف دولار سنوياً للعائلة، ورسماً إضافياً للأطفال، اضافة الى مبلغ ثابت يدفع قبيل الاشتراك يناهز 15 ألف دولار. وتشمل الخدمات التي يقدمها لعب الغولف والتنس والسباحة ومطعماً، بعدما وسّعت اللجنة الإدارية للنادي مهماتها التي كانت تقتصر وفقاً لما ورد في الجريدة الرسمية على «إدارة اتحاد لعبة الغولف والإشراف عليها ونشر اللعبة وتشجيع ممارستها على الأراضي اللبنانية، تشكيل الفرق والمنتخبات الوطنية، التعاون والتنسيق مع الاتحادات العربية والإقليمية والدولية والانضمام الى عضويتها». غير أن اللجنة قفزت فوق كل هذه النقاط، ولم تلتزم سوى بنسج علاقات عامة مع الاتحادات العربية لتلجأ اليها عند اللزوم. وهو ما فعلته أخيراً عبر توجيهها كتاباً الى عدة اتحادات عربية، طالبة الدعم «لمنع إقفال نادي الغولف».
بموازاة ذلك، تعمّد رئيس النادي نشر مستند على احدى القنوات التلفزيونية يثبت أن النادي دفع الرسوم البلدية، علماً أن ما أبرزه يعود إلى رسوم سُدِّدت عن عقار واحد من ثلاثة يشغلها النادي الذي يمتدّ على مساحة 409 آلاف متر مربع، وهي:
– عقار تابع للمديرية العامة للطيران المدني بمساحة 217 ألف متر مربع. وهو العقار الذي سدّد مستحقاته الزهيدة نتيجة تسوية تمت عام 2018 بإصرار من الدولة اللبنانية ممثّلة بوزارة الأشغال. بموجب هذا الاتفاق، تمكن النادي من الحصول على تمديد لمدة 7 سنوات، رغم أنه دأب منذ إنشائه على دفع قيمة تأجيرية لا تتخطى 1000 ليرة، قبل اعتراض بلدية الغبيري على هذا الرسم، والتوافق مع «الأشغال» على بدل تصاعدي يبدأ بـ 75 مليون ليرة سنوياً ويصل الى 250 مليوناً في العام الأخير. الا أن النادي لم يدفع أياً من الرسوم المترتبة عليه، الى ان قرر عام 2022 تسديد مستحقات ست سنوات (2017-2018-2019-2020-2021-2022) عن هذا العقار فقط دون غيره. وبلغت قيمة الرسوم ما نحو 800 مليون ليرة.
حوّل النادي مخالفته القوانين إلى قضية «اعتداء على معالم لبنان الحضارية»
– العقار الثاني هو الرقم 1878 وتبلغ مساحته 59 ألف متر مربع، وهو ملك الجمهورية اللبنانية، ما يعني أن سلطة الوصاية عليه هي لوزارة المال التي لا تسأل عنه. وقد قرر رئيس نادي الغولف تجاهل هذا العقار كلياً والامتناع عن دفع الرسوم البلدية الخاصة به منذ سنوات.
– العقار الثالث المعتدى عليه رقمه 3908 بمساحة تناهز 72 ألف متر مربع، وقد قرّر النادي بنفسه أن هذه المساحة تساوي 170 سهماً يمتلكها من هذا العقار الكبير. و«صادف» أن هذه المساحة المحددة تشكل امتداداً للعقار الأول التابع للطيران المدني.
الخلاف انتهى في مجلس شورى الدولة الذي أوصى بتحصيل البلدية قيمة تأجيرية بعد تخمين المتر في العقارين. ولدى توجه البلدية لاستيفاء الرسوم، رفض النادي دفعها زاعماً أنه سددها كلها باعتبار أن التسوية مع وزارة الأشغال تشمل كل العقارات، رغم ان أحد العقارات هو عقار خاص! علماً أن وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية عقد مؤتمراً صحافياً عام 2021 أعلن فيه أنه يحق للوزارة تعديل العقد في عامه الرابع بما يخص العقار البالغة مساحته 200 ألف متر مربع، بعدما فوجئ بأن الرسم التصاعدي هو 110 ملايين ليرة فقط لقاء هذه المساحة. وقد طلب يومها من بلدية الغبيري معلومات عن القيمة التأجيرية في هذه المنطقة، فأفادته بأن سعر المتر يتراوح ما بين 200 ألف و300 ألف ليرة، أي أن قيمة 200 ألف متر يجب ألا تقل عن 40 مليار ليرة سنوياً. وعليه راسل الأمانة العامة لمجلس الوزراء مطالباً بتعديل العقد. إلا أن رئيس الحكومة لم يتجاوب مع الكتاب، فيما تفيد معلومات بأنه قد يصدر مرسوماً بإعفاء النادي من الرسوم تماماً، كما أعفى «مبنى عدنان القصار للاقتصاد العربي» الواقع ضمن نطاق الغبيري أيضاً من الرسوم البلدية، رغم أن قانون الإعفاءات يحدد استثناءات ليست الرسوم البلدية من ضمنها.
وعرض الخليل في مؤتمر صحافي لكشف ملابسات ما حصل صباح أمس في نادي الغولف، شريط فيديو لأحد حراس النادي وهو يقول إن «نادي الغولف بحماية من السلطة حتى قبل قدوم القوى الأمنية»، مؤكداً أن هذا الموقف «يلخّص موقف السلطة تجاه البلديات الممدّد لها». وأضاف: «كنا نتوقع أن تقف القوى الأمنية على الحياد لمنع الاحتكاك، إلا أنها أوقفت عناصر الشرطة البلدية وصادرت الآليات ومنعت موظفي القسم المالي من استكمال مهمتهم السلمية بتوجيهات عليا».
واتهم الخليل النادي بالوقوف «ضد البلدية ومطالبتها بحقوقها وضد منع الهدر العام»، مؤكداً أنه «ليس للبلدية أي أطماع بأراضي نادي الغولف، لكن إدارة النادي متعدّية على الأملاك العامة والخاصة، والبلدية تطالب بالرسوم المستحقة منذ ٢٠١٦».