كتبت النهار
سيسيل حبر كثير لتفسير الموقف السعودي القاطع من الاستحقاق الرئاسي كما عنونته “النهار” بدقة متناهية يوم أمس: “لا مرشّح ولا ڤيتو”. والسبب أن الموقف السعودي على غموضه مهم جداً بالنسبة الى المعادلة اللبنانية، وتتوقف عنده شرائح لبنانية كبيرة باعتبار أن السعودية هي طليعة الموقف العربي في لبنان، بالتفاهم مع الشركاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربي ومصر. وهم شركاء رئيسيون لدعم الموقف العربي في لبنان، ولحماية لبنان في مكان ما من الانزالاق الكامل تحت “قبّة” الهيمنة الإيرانية المتمثلة بـ”حزب الله”. وأهمية الموقف الذي كانت السعودية أدلت به بلسان سفيرها في لبنان وليد البخاري أن البعض اعتبره حمّال أوجه، وفسّره البعض الآخر على أنه يصب في مصلحة ترشيح الأستاذ سليمان فرنجية، فيما اعتبره البعض الثالث أنه يعرقل ترشيح فرنجية الذي لا يحتاج الى “حيادية” عربية لا بل الى تأييد وتغطية لكي يقلع بعهده إذا انتُخب رئيسا بقوة الغطاء العربي الذي لا يُعتدّ به سوى من خلال موقف الرياض. يعرف فرنجية ومن وراء فرنجية أن الكلام السعودي لا يخدم ترشيحه، ولا سيما أن باريس المتحمّسة جداً تحاذر تفسير موقف الرياض كما تشتهي.
لكن الأهم في ذلك كله، هو أن السعودية تعرف تماماً أن أي موقف غير الموقف الذي أدلى به سفيرها خلال جولته اللبنانية هو بمثابة الوقوع في فخ التدخل بالشؤون اللبنانية علناً، والتورّط في دعم اسم من دون الأسماء الأخرى، ثم تحمّل مسؤولية الموقف الداعم معنوياً ومادياً بحيث يصبح عبئاً ترفض أن تتحمّله. فإن كانت السعودية تدعو الى انتخابات حرّة لاختيار الأفضل، فمعنى هذا أنها لا تقبل بتدخل خارجي ولا بتدخلها هي كما يتراءى لبعض اللبنانيين. هي تضع معايير، ومواصفات، ومعها خريطة الطريق العربية المعروفة من الجميع التي جرى تسليمها في مطلع شهر كانون الثاني ٢٠٢٢ للمسؤولين الكبار في الدولة اللبنانية، لأن العرب أرادوا مخاطبة الدولة اللبنانية لا أفرقاء متناثرين هنا وهناك. فالمسؤولية جماعية ويجب أن تكون كذلك من عهد الى عهد. وانتخاب الرئيس المقبل مسؤولية يتحمّلها اللبنانيون ويتحمّلون نتائجها سلباً أو إيجاباً. وهنا نذكر أن انتخاب الرئيس السابق ميشال عون عام ٢٠١٦ لم تقف بوجهه الرياض علناً، لكنها أخذت علماً بأن أغلبية برلمانية وسياسية تؤيّد انتخابه، فدعت الجميع الى تحمّل مسؤولية الانتخاب، فيما اكتفت بمراقبة الوضع بإيجابية لتحكم على الأفعال والوقائع الملموسة. وبنهاية المطاف تسبب عهد عون بأزمة عميقة مع العالم العربي الذي يقف في صف السعودية، وهو من الناحية العملية قلب المعادلة العربية من الخليج الى المحيط.
اليوم تقول الرياض انتخبوا رئيساً بسرعة قادراً على أن يتصدر معركة الإصلاح الداخلي على مختلف المستويات والخارجي على مستوى إعادة الاعتبار للعلاقات العربية والدولية ومكانة لبنان، وأن يكون على مستوى تطلعات اللبنانيين. لكنها ربما تنتظر من أصدقائها التاريخيين أن يتحمّلوا وزر الاتفاق على مرشح ينافس بشكل جدي مرشح “الثنائي الشيعي” الى حدّ إسقاطه، لأنه إن بقي معارضو الثنائي على موقف الرفض من دون الاتفاق على مرشح تتقاطع عنده القوى المسيحية المتنافرة وحلفاؤها من خارج البيئة المسيحية، فإن “الثنائي الشيعي” سيربح في النهاية بالنقاط، بعد أن يكون عمل بهدوء على فكفكة الجبهة المعارضة لترشيح سليمان فرنجية. وقراءتنا أن موقف السعودية يخدم ضمناً المعارضة دون الوقوع في فخ حاولت جهات خارجية نصبه لها لتوريطها.