فراس الشوقي – الأخبار
تمخّضت المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR) لـ«مساعدة» لبنان على معالجة أزمة النازحين السوريين، فأنجبت وثيقة سلّمتها إلى الأمن العام اللبناني، لا تخدم سوى تثبيت «نظريّة المؤامرة» بوجود مشروع دولي لتوطين النازحين في لبنان.
أتت الوثيقة في سياق الاتصالات والمراسلات المتبادلة بين الدولة والمفوّضية، بعد الاتفاق على تبادل المعلومات، الأسبوع الماضي، بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واللجنة الوزارية، وبين الأمم المتحدة والمفوّضية.
والوثيقة عبارة عن اقتراح لإعادة عقارب الساعة إلى عام 2015، تاريخ توقف الحكومة عن تسجيل السوريين الذين لم يتم تسجيلهم منذ ذلك التاريخ في خانة اللاجئين، ما يحتّم على الدولة اللبنانية منحهم حقّ الإقامة بصفة لاجئ، مع ما يترتب على ذلك من مسؤوليات على عاتق الدولة. ومع أن لبنان لم يوقّع اتفاقية اللاجئين لعام 1951، إلا أن موافقة الدولة على هذه الوثيقة تعني توقيعاً شبه رسمي. وهو ما يرفضه لبنان اليوم، وقد أبلغ موقفه للمفوّضية وللأمم المتحدة بناءً على الأسباب نفسها التي منعته من توقيع الاتفاقية قبل 72 عاماً، وهي الخشية من توطين الفلسطينيين الذين هجّرتهم العصابات الصهيونية عام 1948 (وقبله وبعده).
مصطلح التوطين ليس غريباً عن لبنان. والحديث عن التوطين يتبعه فوراً حديث عن التقسيم. هذا ما حصل قبل الحرب الأهلية وخلالها، وما يحصل اليوم. استُخدمت (وتستخدم) مسألة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سابقاً كمحرّك سياسي لهدفين. الأول، تصفية اللاجئين في لبنان لتصفية القضية الفلسطينية وطمس حقوق الشعب الفلسطيني واستبدال فلسطين بوكالة «الأونروا»، إما عبر تسفير (تهجير المخيمات وتدميرها) إلى أبعد ما يمكن عن فلسطين، أو عبر تجنيس ما تبقّى من الفلسطينيين، وهو ما ترفضه أساساً غالبية الفلسطينيين واللبنانيين. والثاني، تحويل التوطين إلى محرّك سياسي غرائزي يقوّي حجّة فريق لبناني له نفوذه التاريخي وسط المسيحيين ويعمل على مشروع تقسيم لبنان.
*الموافقة على وثيقة مفوّضية اللاجئين تعني توقيعاً شبه رسمي على اتفاقية1951 التي رفضها لبنان*
اليوم، المشهد ليس بعيداً كثيراً عما كان عليه، وتسبب الانهيار الاقتصادي وتراجع أحوال غالبية اللبنانيين، وتورط سوريين في أعمال جنائية وأمنية، في انتشار الدعاية الرافضة لوجود النازحين. لكنّ هناك أسباباً أخرى، لا تقلّ أهمية، إذ لا تزال مسألة النازحين ورقة ضغط على الوضع اللبناني وعلى الحكومة السورية معاً، وخصوصاً الآن، في ذروة التحوّل في الموقف العربي نحو دمشق، وفي ذروة الإنهاك الاقتصادي لسوريا ووجود مناطق ومدن مدمّرة وأراضٍ تحت الاحتلالين التركي والأميركي. مع ذلك، تؤكّد دمشق استعدادها لاستقبال من يريد العودة، كما حصل مع 540 ألف سوري أعادهم الأمن العام قبل عام 2019، وترحّب بأي مساعٍ لبنانية لحلّ الملف بما يخدم مصلحة اللبنانيين والسوريين والدولتين معاً، على ما ينقل أكثر من مسؤول لبناني يزور دمشق، وما يقوله مسؤول سوري لـ«الأخبار». وهذا ما يؤكّده، أيضاً، التعاون بين الجيشين اللبناني والسوري عبر مكتَبَي التنسيق العسكري وربما على مستوى أعلى من التنسيق، لإعادة حوالي 70 مواطناً سورياً من لبنان إلى سوريا قبل أيام.
مع ذلك، لا يزال لبنان يعلن عن خطوات في الإعلام فقط. ولم تصدر أي مبادرة جدية تجاه دمشق، ولا يبدو أن لبنان، على مستوى الدولة المركزية، يملك خطة لإعادة النازحين. كل ما حصل عملياً يقتصر على إعلان الأمن العام إعادة تفعيل آلية العودة الطوعية التي كانت سارية قبل جائحة كورونا، وإعطاء وزير الداخلية بسام المولوي توجيهاً للبلديات بالإحصاء والتشدّد في الإجراءات الأمنية والإدارية، فيما من المرجّح أن يكرّر الجيش اللبناني إعادة سوريين إلى داخل سوريا بالتنسيق مع دمشق. حتى إن حزب الله قد يعاود التحرّك في هذا الملفّ، كما فعل قبل سنوات.
لكنّ ذلك لا يكفي طبعاً. مع العجز ومرور الوقت والإحباط من الحلول السريعة، تفقد الحكومة دورها لمصلحة «القبائل» اللبنانية، ويتحول ملفّ النازحين إلى وقود لتغذية قوى التطرّف، ومحفّز للأمن الذاتي ولدعوات التقسيم، ما يلقي بالمسؤولية على مفوّضية شؤون اللاجئين، لمشاركتها في ترجمة سياسات مموّليها في استمرار هجومهم على دمشق واستخدامهم للبنان خدمة لسياسات الهجرة الأوروبية والغربية، مهما تباينت معهم في التفاصيل.