خرج الحزب من حرب تموز عام 2006 منتصرًا، وانتزع اعتراف العدو قبل الصديق بهذا النصر، لاسيما مع إقرار لجان التحقيق الإسرائيلية التي كلّفت بتقييم 33 يومًا من الحرب، وفارضًا نفسه كقوة في الساحة الإقليمية عند الحدود الفلسطينية المحتلّة تقاوم الاحتلال عسكريًا، وتكسر المخططات الأمريكية في المنطقة، وأهمها “الشرق الأوسط الجديد”. بعد فشل الحرب الشاملة من تحقيق أهدافها، وإلغاء المقاومة في لبنان، انتقل المخطط نحو سحب العناصر الرئيسية التي يرتكز عليها حزب الله لبناء قوّته لينهار “البرج”. فكانت “الخطة المزدوجة” في أيار / مايو من العام 2008: تفكيك البنية التحتية للاتصالات – بحسب ما أوصى تقرير ” فينوغراد” الإسرائيلي – وإدارة حملة تشويه ضد المقاومة. أدرك حزب الله خطورة الخطة الخارجية وعرف أدواتها الداخلية، فواجه بالطريقة المناسبة وبما تطلبت الظروف الميدانية آنذاك، ليكسب حربًا جديدة، ويسجل “7 أيار يومًا مجيدًا” في تاريخ المقاومة.
المطلوب ألا تنسوا 7 أيار كي لا يكررن أحد حماقة 5 أيار!
قبل التطرق الى تفاصيل الأحداث ما بعد تاريخ” 7 أيار”، يجب فهم ما حصل قبله والعوامل التي ساهمت في الوصول الى هذه المرحلة، اذ لا يمكن الفصل بين السبب والنتيجة الطبيعية، ومن يذكّر كل عام بهذه الذكرى لاستهداف المقاومة لا بدّ أن له ذكر ما قبل ذلك التاريخ. فـ “يلي عم يحكوا عن 7 أيار، يتذكروا شو عملوا بـ 5 أيار… نحن بدنا ما تنسوا 7 أيار، المطلوب ألا تنسوا 7 أيار كي لا يكررن أحد حماقة 5 أيار”، قالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في أيار من العام 2009، ليشرح أنّ” 5 أيار كان يوم عار على جبين الحكومة، لأنها أرادت أن تفعل شيئًا عجزت عنه إسرائيل طوال 33 يومًا”.
ماذا حصل في 5 أيار؟
في ذلك التاريخ من العام 2008، “كان هناك مخطط، ويعرفون المناطق التي يريدون احتلالها والمناطق التي يريدون فصلها عن بعضها البعض، وكان المشروع هو أخذ بيروت الى فتنة مذهبية تستمر لأسابيع يتم على أساسها استدعاء قوات من الخارج بذريعة إيقاف تلك الحرب”. وفق ما أكّد السيد نصر الله، مشددًا أن ما كان في 5 أيار ليس قرارًا غير نافذ، بل قرارًا استلزم السهر للفجر، والاتصال من داخل مجلس الوزراء بالسعودية ومصر وأمريكا وفرنسا وآخرين، وهذا لم يعد سرًا”.
تمثّلت مخرجات جلسة الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة وبمكوناتها من 14 آذار، بقرارين هما: تفكيك شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بحزب الله، وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير. اعتبر بيان الحكومة آنذاك أنّ تلك الشبكة التابعة للمقاومة، “غير شرعية وغير قانونية وتشكل اعتداء على سيادة الدولة والمال العام”. وفي الشأن الثاني، عزلت الحكومة “شقير” عن منصبه بعد “اتهامات” وجهها له النائب السابق وليد جنبلاط (رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي أحد مكونات 14 آذار).
في المؤتمر الصحفي للسيد نصر الله في 8 أيار، أوضح الأمين العام مزيدًا من التفاصيل حول ملابسات 5 أيار والمخطط ضد المقاومة. وشدّد على أنّ “تفكيك شبكة اتصالات حزب الله بمثابة إعلان حرب من قبل حكومة وليد جنبلاط على المقاومة وسلاحها لمصلحة أمريكا وإسرائيل وبالنيابة عنهما”، مؤكدًا على وجود “شبكات اتصالات في أماكن مختلفة من لبنان تابعة لمؤسسات دينية وجهات سياسية بعضها مرخص وبعضها غير مرخّص”، تاركًا التوضيح للنواب في البرلمان.
وتابع أنّ خلفية قرار المس بشبكة الاتصالات السلكية تأتي بهدف “الإيقاع بين المقاومة والجيش الوطني اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية بعد فشل كل المؤامرات والتواطؤات السابقة، والتي تم إفشالها بفعل الصبر والمسؤولية لدى المقاومة وقيادة الجيش”.
اعترافات علنية ووثائق تكشف تورط جهات لبنانية بالمخطط الأمريكي – الإسرائيلي
لا بدّ هنا من التوقف عند الاعتراف الصريح والعلني لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في مقابلة تلفزيونية له حين قال “أنا من افتعلت أحداث السابع من أيار في العام 2008 ضدّ حزب الله.. لقد حمّسوني وأخطأْت في الحسابات… حمّسوني تحمسّت”!.
ما هو مهم أيضًا في كشف تنفيذ الأطراف السياسية اللبنانية للمخطط الخارجي ضد المقاومة، هي وثائق “ويكيليكس” التي بيّنت لقاءات وحوارات جرت شخصيات من 14 آذار وبين الإدارة الأمريكية، ومن بينها:
_ في 9 أيار 2008، قام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بزيارة “مفاجئة إلى السفارة الأميركية في عوكر، الثامنة والنصف مساء، طرح خلالها فكرة نشر قوات عربية لحفظ السلام في لبنان عديدها 5000 جندي، مؤيداً الطرح السعودي في هذا الشأن. وقالت القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون في برقيتها أبلغنا جعجع أن لديه بين 7000 إلى 10000 مقاتل على استعداد للتحرك، مضيفاً لكننا بحاجة إلى دعمكم للحصول على الأسلحة عبر عملية الإمداد البرمائية مثلاً”.
_ في 11 أيار 2008، سردت وثيقة مصنفة “سرية”، وقائع اجتماع عقدته سيسون، مع رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل ومستشاره ميشال مكتف ووزيرة الشؤون الاجتماعية نايلة معوض وابنها ميشال ووزير الاتصالات مروان حمادة في منزل الجميّل في بيروت. وخلال الاجتماع، قالت معوّض: “لا بد من تسليح مناصري 14 آذار”. وبدوره قال الجميّل إنّ “قادة 14 آذار بحاجة إلى دعم هادئ من الولايات المتحدة، أي بحاجة إلى الأسلحة في غضون الأيام الخمسة أو الستة المقبلة، كي يهزموا حزب الله”.
_ في 12 أيار 2008، بيّنت الوثائق أنّ “جعجع التقى بأشرف ريفي وطلب منه المساعدة في تأمين الذخائر من دول أخرى”. وأضافت الوثائق أنّ “جعجع أبلغ سيسون خلال زيارة مسائية الى السفارة في عوكر برفقة وزير السياحة جوزيف سركيس بضرورة وضع استراتيجية طويلة الأمد لكبح جماح حزب الله، مؤكداً لها انه يعمل مع ريفي لشراء ذخائر للميليشيا التابعة له ولمقاتلي وليد جنبلاط”.
_ في وثيقة مؤرخة في 15 أيار 2008، “قالت سيسون إن جنبلاط أبلغنا، أنه يريد تجهيز مقاتلي الحزب التقدمي الاشتراكي الدروز عبر إمدادهم بالأسلحة سراً، كي يستعدوا للجولة الثانية من قتال حزب الله.
ماذا حققت المقاومة في 7 أيار؟
لم يكن إعلان السيد نصر الله ليوم 7 أيار “يومًا مجيدًا من أيام المقاومة في لبنان”، بل إنه أرفق ذلك بشرح ما حققته المقاومة في تلك المرحلة:
_ 7 أيار وضع حدّا سريعًا جدًا لحرب مذهبية كانوا يخططون لها وأعدوا لها العدّة.
_ وضع حدًا سريعًا لإحراق مدينة بيروت بفعل الفتنة.
_ هو الذي وضع لبنان على طريق الحل وأخرجه من أزمته وفرض العودة الى طاولة الحوار وانتخاب رئيس توافقي وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
_ ردع 7 أيار الفتنة وأجهض المخطط الخارجي باستهداف أهم سلاح للمقاومة في لبنان.
شبكة الاتصالات السلكية: أهم سلاح للمقاومة
تعتبر شبكة الاتصالات السلكية كلمة سر انتصار المقاومة في لبنان وتحرير الجنوب عام 2000 ثمّ في انتصار تموز عام 2006. اذ “أكّد السيد نصر الله أن قبل الألفين من أهم أسباب نجاح عمليات المقاومة أنه عندما كان يهاجم مئتين وثلاثمائة وأربعمائة مقاتل مواقع إسرائيل في الشريط الحدودي، وكان الاسرائيلي لا يكتشف ذلك إلا لحظة إطلاق النار، السبب اننا لم نكن نعتمد على الاجهزة اللاسلكية، بل كنا نعتمد على النظام السلكي”.
في عدوان تموز “أهم نقطة، أهم عنصر قوة كان عنا، هو القيادة والسيطرة، بسبب أن الاتصال مؤمن بين القيادة ومختلف المواقع القيادية ومواقع القتال الميداني، وهذا اعترف فيه العدو تذكروا بعد مجزرة قانا الثانية عندما صار اتفاق على وقف إطلاق نار 48 ساعة لتسهيل خروج الجرحى والمصابين وما شاكل، كيف قدرنا أن نوقف إطلاق النار ونحن لسنا جيش نظامي؟ لأنه كان عندنا امكانية اتصال مع كل نقاطنا في هذه المواقع”.
لذا فإنّ “سلاح الإشارة ليس سلاحًا ملحقًا هذا أهم سلاح في أي معركة، هو جزء أساسي وجوهري بل هو الجزء الأول في منظومة القيادة والسيطرة التي هي العامل الأول في أي نصر والعامل الأول في إدارة أي معركة”، وفق السيد نصر الله.
قدّمت المقاومة في تلك الأيام (من 7 الى 14 أيار / مايو)، عددًا من الشهداء، عرفوا باسم “شهداء الدفاع عن سلاح المقاومة الاسلامية” وهم:
1/ القائد وسام حاطون
2/ القائد علي مسلماني
3/ القائد رياض الحسيني
4/ القائد ناصر العيتاوي
5/ جعفر كرنيب
6/ حسين البرجي
7/ ابراهيم البرجي
8/ حسين شلهوب
9/ حسن رباح
10/ خضر أحمد
11/ سليمان جعفر
12/ عباس الهبش
13/ محمد شهلا
14/ علي الراعي.
الكاتب: مروة ناصر