تسلط الرحلات المتتالية التي يقوم بها مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى الضوء على أن الإدارة الأمريكية مصممة على تجاوز الفتور الذي ميز العلاقات بين واشنطن والرياض. كبار مستشاري بايدن يلتقون بمحمد بن سلمان في محاولة لتصغير الفجوة التي تسببت بها تصريحات بايدن، وسياساته تجاه السعودية. في آذار الماضي حضر كبار مستشاري الرئيس الأمريكي بايدن بريت ماكغورك وعاموس هوكستين، والمبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ، قبل أن يحضر مستشار الأمن القومي جاك سوليفان في 6 أيار 2023.
قبل زيارته إلى السعودية كان سوليفان قد أعلن عن زيارته للمملكة، في حديثه أمام معهد واشنطن قبل أيام، كان يستعرض إنجازات إدارة بايدن في السياسة الخارجية، تحدّث عن مبادرة وصفها بالـ “الرائعة” و”الرهيبة”. وطلب من الباحثين والأكاديميين أنه ” إذا لم تتذكر شيئًا آخر من خطابي، فتذكر I2U2، لأنك ستسمع المزيد عنها بينما نمضي قدمًا”.
مبادرة I2U2 : الصراع الإيراني السعودي هو أحد التحديات أمام نجاحه
هي شراكة مع الهند و”إسرائيل” والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، أعطيت اسم المنتدى الدولي للتعاون الاقتصادي. والفكرة الأساسية منها هي ربط جنوب آسيا بالشرق الأوسط ثم بالولايات المتحدة، ب”طرق تخدم الاقتصاد والدبلوماسية الأمريكية” (بحسب تعبير جاك سوليفان).
قامت هذه المجموعة على خلفية اتفاقيات إبراهيم وظهرت فكرة هذه المبادرة في 2021 للتعامل مع القضايا المتعلقة بـ”الأمن البحري” والبنية التحتية والنقل لتفعيل الاتفاقية، وكان الهدف منها هو تسخير القدرات والخبرات لدول المنتدى، والتعاون الأمني.
الواقع أن هذا المنتدى كان قد اعتبر الصراع الإيراني السعودي هو أحد التحديات أمام نجاحه، خاصة أن هذا الخلاف كان ينعكس على ملفات عديدة في دول المنطقة، في العراق وسوريا ولبنان واليمن. كما أن خلافات دول الخليج مع إيران، وهي شريك مهم للهند، سيؤدي إلى تقويض جهود I2U2. ومثل أي خطة اقتصادية في منطقة ما، عليها أن تنعم بالسلام.
اللافت أن سوليفان في نفس الخطاب، كان قد تحدث عن جهود للولايات المتحدة في الاتفاق السعودي الإيراني، “بقينا على اتصال وثيق مع السعوديين على طول الطريق من بغداد إلى عمان وفي نهاية المطاف إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه. وهذا أيضا يتماشى مع الاتجاه والاتجاه الأساسيين لخفض التصعيد الذي دعمناه وشجعناه”. قال سوليفان.
شبكة من السكك الحديدية تربط دول الخليج بالولايات المتحدة عبر الكيان المؤقت
بكل وضوح، يبدو أن هذه المبادرة I2U2 هي الخطة الأمريكية في وجه مبادرة الحزام والطريق الصينية، على أن تكون الهند هي القوة الاقتصادية التشغيلية الموازية للصين. في 6 أيار مايو في نفس اليوم الذي وصل فيه مستشار الأمن القومي إلى الرياض، نشر موقع اكسيوس سبقًا صحفيًا عن مناقشة مستشاري الأمن القومي، الأمريكيين والسعوديين والإماراتيين والهنود يوم الأحد مشروعًا مشتركًا محتملًا للبنية التحتية لربط دول الخليج والدول العربية، عبر شبكة من السكك الحديدية التي سيتم ربطها أيضا بالهند عبر ممرات الشحن من الموانئ في المنطقة، حسبما قال مصدران على دراية مباشرة بالخطة لأكسيوس. وعن أهمية المشروع قال الموقع: هو أحد المبادرات الرئيسية التي يريد البيت الأبيض دفعها في الشرق الأوسط مع نمو نفوذ الصين في المنطقة. الشرق الأوسط جزء أساسي من رؤية الحزام والطريق الصينية.
“لم يقل أحد ذلك بصوت عال ولكن الأمر كان يتعلق بالصين منذ اليوم الأول”، قال مسؤول إسرائيلي كبير سابق، شارك بشكل مباشر في المناقشات المبكرة حول هذه القضية لأكسيوس. وكانت إسرائيل قد طرحت فكرة ربط المنطقة عبر السكك الحديدية خلال اجتماعات I2U2 خلال العام الماضي. “جزء من الفكرة كان استخدام خبرة الهند في مشاريع البنية التحتية الكبيرة هذه”، قال المسؤول الإسرائيلي السابق. وأضاف بأن إدارة بايدن كانت قد وسعت الفكرة لتشمل السعودية في الأشهر الأخيرة.
مصادر مطلعة قالت أيضًا لإكسيوس، إن المبادرة ستشمل ربط الدول العربية في بلاد الشام والخليج عبر شبكة من السكك الحديدية التي ستربط أيضا بالهند عبر موانئ بحرية في الخليج، لتصل إلى موانئ “إسرائيل” في النهاية عندما تكون “الجهود الرامية إلى مزيد من تطبيع العلاقات في المنطقة تحرز تقدمًا”.
التطبيع مع السعودية: الهدية التي حملها سوليفان لإسرائيل
في خطابه في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أيضًا، قال سوليفان “إنّ هدف إدارة جو بايدن الأعلى هو التوصل الى تطبيع كامل للعلاقات بين “إسرائيل” والسعودية””، مضيفًا: “توجد لنا مصلحة لدفع التطبيع بين الطرفين، وعمليًا هذه الإدارة هي التي خلقت الخطوة الملموسة الأولى للجانبين مع فتح المجال الجوي فوق السعودية للرحلات المدنية من الأراضي المحتلة”، معتبرًا “أنّ التوصل الى التطبيع الكامل في نهاية الأمر هو مصلحة أمنية وطنية معلنة للولايات المتحدة وكنا واضحين حيال ذلك”، وإثر هذا التصريح، بدا المسؤولون في الكيان المؤقت متفاجئين من قرار سوليفان بتحويل السعودية إلى مركز خطاب التطبيع، إذ أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أنّ مسؤولين كبارًا في الكيان الصهيوني قالوا “إنّ البيان الدراماتيكي لمستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الذي يفيد أن الولايات المتحدة تواصل العمل بتصميم للتوصل إلى اتفاق تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والسعودية هي تصريحات لم تطلقها واشنطن بصورة رسمية من قبل”، وأضافوا أنّ “التصريحات مفاجئة وهامة، وقرار سوليفان بتحويل السعودية الى مركز الخطاب تشير الى أنّ هذا الأمر على رأس الأجندة الأميركية”.
وكان تساحي هنجبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، كان قد صرّح بأن سلطات الاحتلال تأمل نجاح محاولاتها لتطبيع العلاقات مع السعودية خلال زيارة مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، للمملكة هذا الأسبوع.
رأي السعودية في خطة “التكامل الإقليمي الأمريكية” والتطبيع
على الرغم من عدم وجود تصريحات سعودية حول نتائج الزيارة، إلا أن اللقاء كان عبارة عن استعراض للعلاقات الإستراتيجية وسبل تعزيزها. خاصة أن مبادرة سوليفان ستمكن الرياض من تنويع سلاسل التوريد. كما حثت الصحف ومراكز التفكير الممولة من السعودية، حثّت الولايات المتحدة على دعم التحول في المحرك الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط، والذي “تقوده السعودية، خاصة بعد اتجاه خفض التصعيد في السياسة الخارجية”.
أما عن التطبيع مع إسرائيل، فليس من المستبعد أن تعمد السعودية إلى التطبيع ولكن بعد تنفيذ شروطها، وعلى رأسها امتلاك محطة نووية، والتعامل مع السعودية على أنها قوة عظمى في المنطقة، وعلى الرغم من أن هذه الشروط لطالما كانت بعيدة المنال عن السعوديين، إلا أنه ليس من المستحيل التفاوض عليها، لكن ليس خلال الإدارة الأمريكية الحالية، إذ من المستبعد أن يعطي محمد بن سلمان هذا “الشرف” لجو بايدن.
الكاتب: زينب عقيل