تتناول الصحف الغربية مسألة الانتخابات التركية كما لو أنها مسألة أمن قومي لأوروبا خصوصًا وللغرب عمومًا. يتأمل هؤلاء أن يتخلصوا من الصداع الذي يسببه أردوغان لحلف الناتو، ومن علاقته بروسياـ وسياسته في الهجرة، بالإضافة إلى الصداع النصفي الذي يتسببه للولايات المتحدة في التعامل مع التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط. وعليه، فإن ما أظهرته استطلاعات الرأي من إمكانية فوز مرشح آخر بعكس ما أفرزته دورات الانتخاب السابقة، أعطى هؤلاء أملًا لخروج أردوغان من السلطة بعد 20 عامًا من الأخذ والردّ معهم. وهو الأمر الذي جعل هذه الانتخابات تاريخية، حتى لو كانت المشاعر المعادية للغرب في تركيا قوية جدًا عبر الطيف السياسي.
يعول الغرب على أن ائتلاف أحزاب المعارضة التي ليس لديها شيء مشترك باستثناء الرغبة في التخلص من أردوغان، سيكون لديها أجندات مختلفة ستؤثر على تماسك السلطة، خاصة أن كليتشدار ليس لديه تلك الكاريزما الجامعة، وبالتالي فإن الخلافات العميقة فيما بينهم ستؤدي إلى أن يكون تركيزها الأساسي محليًا، وهذا سيكون له تأثير واضح في السياسة الخارجية.
قد يرحل أردوغان إلا أن النخب الموالية له ستبقى
وعلى الرغم من هذه النظرة المتفائلة، إلا أن ثمة أصوات ترى أن جهاز سلطة أردوغان لن يتأثر بالهزيمة، إذ ترى صحيفة لوموند الفرنسية أنه حتى لو خسر أردوغان الانتخابات، سيظل لديه نفوذ في جعبته، “خاصة إذا مدد حالة الطوارئ وحشد جهاز الأمن الرسمي… هناك الكثير من الدوائر المقربة من أردوغان الذين ليس لديهم نية للتخلي عن امتيازاتهم أو مستوى معيشتهم أو الاضطرار إلى المثول للمحاكمة. … من المهم التأكيد على أنه إذا خسر أردوغان الانتخابات فإن هؤلاء اللاعبين معه سيبقون في النظامين القضائي والأمني”.
هل أردوغان وكليتشدار أوغلو متشابهان في السياسة الخارجية
وفي سياق متصل بالطيف الجماهيري المعادي للغرب، تعلّق إحدى الصحف التشيكية Lidové noviny بأن “كمال كيليشدار أوغلو ليس مواليًا للغرب كما قد يبدو. لأنه بالإضافة إلى تمثيل حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك في هذه الانتخابات، فإنه يريد أيضا الوصول إلى ناخبين آخرين. لذلك لديه أيضا خطاب معادٍ للغرب وأوروبا في ترسانته. وبعد كل شيء، حزب الشعب الجمهوري قومي تمامًا. وفي الوقت نفسه يعبر عن فهمه للدين في السياسة. … والأكثر من ذلك، في السياسة الخارجية، أردوغان وكليتشدار أوغلو متشابهان بشكل مدهش”.
لكن ماذا لو طرد كليتشدار السوريين؟
إذا فاز كليتشدار أوغلو، فإن الغرب، وخاصة الاتحاد الأوروبي، سيشعرون بالقلق من أن يسلك هؤلاء طرقًا أخرى إلى أوروبا. ويؤمنون بأنّ أردوغان على استعداد لإبقائهم في تركيا من أجل مصالحه السياسية والاقتصادية الخاصة.
وماذا لو استوفى كليتشدار جميع متطلبات العضوية في الاتحاد الأوروبي؟
إن تركيا الطموحة بالانضمام إلى الغرب ليست في مصلحة الدوائر الشعبوية واليمينية والمحافظة والعنصرية هناك، والتي ترى الاتحاد الأوروبي كنادٍ مسيحي. ففي نظر أغلب ساسة الاتحاد الأوروبي، “يجب أن تظل تركيا هي النقيض. هذا هو السبب في أنهم يفضلون سرًا فوز أردوغان في الانتخابات”، يقول تقرير يتكين التركية. ينظر الاتحاد الأوروبي بحذر بشأن اهتمامه بالانتخابات التركية، وبسبب العلاقة الحساسة مع الرئيس التركي أردوغان، الذي حكم البلاد لمدة 20 عامًا، أحيانا كرئيس للوزراء، وأحيانا كرئيس للبلاد، يشعر ممثلو الاتحاد الأوروبي بالقلق من القول علنًا عن النتيجة التي يفضلونها.
الكثير من الإثارة والترقّب
قد تبدو تركيا مختلفة بعد الانتخابات في منتصف مايو أيار المقبل، في ظلّ إصرار الأكراد على التصويت ضدّ أردوغان، إلا أنّه ليس من المؤكّد أنّه سيتخلى عن السلطة إذا تعرض للهزيمة، كما كتب إيهور سيميولوس، مدير جمعية مراكز الأبحاث لدراسات الشرق الأوسط: “ماذا سيحدث لأردوغان إذا خسر؟ هذا سؤال ربما ليس له إجابة في المجتمع التركي. هناك الكثير على المحك، لأنه كما نعلم من ماضي تركيا، سيدعو الكثيرون إلى إجراء تحقيقات في عدد من الأمور، لذلك بالنسبة لأردوغان، من المرجح أن ترتبط خسارة الانتخابات بالعديد من المشاكل. ومع وضع هذا في الاعتبار بالتحديد، يقول الكثيرون إنه لن يتخلى ببساطة عن سلطته إذا خسر”. وعليه فإن الكثير من الإثارة والترقّب سيشعر بها المراقبون في الغرب وهم يتحسسون أمنهم القومي القادم من الشرق، في الأيام المقبلة.
الكاتب: زينب عقيل