كتبت النهار
قبل انتخاب مؤسّس “التيار الوطني الحر” ورئيسه ميشال عون رئيساً للجمهورية كان ديفيد هيل سفيراً لبلاده الولايات المتحدة في لبنان. وبصفته هذه تابع مرحلة الشغور في الرئاسة الأولى التي استمرت قرابة ثلاثين شهراً، وترشيح “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع نفسه للتربّع على سدّتها، وإخفاقه في تحقيق طموحه رغم الجلسات الكثيرة التي دُعي مجلس النواب الى عقدها. تابع هيل بالصفة نفسها طموح عون الى الرئاسة الأولى وتأييد “حزب الله” له واستعداده لإبقاء الشغور في قصر بعبدا الى أن تقتنع الغالبية النيابية الضرورية لانتخاب رئيس للبلاد بانتخابه. يتذكّر اللبنانيون أن “القوات” كانت في تلك المرحلة توصّلت الى تفاهم مع “عدوّها” أو خصمها ومنافسها “التيار الوطني الحر” الذي كانت لجبران باسيل صهر عون الكلمة الأولى فيه سُمّي “تفاهم معراب. فتح هذا التفاهم الطريق أمام وصول عون مرشّح “حزب الله” حليف إيران ومنفّذ سياستها في لبنان في نظر “القوات” الى رئاسة الجمهورية. في حينه تردّد كثيراً بل ثبت بالملموس أن سليمان فرنجية كان يقترب بقوة من الرئاسة الأولى. فزعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري أيّده على ما قيل كما أيّدته، استناداً الى معلومات موثوقة، فرنسا والسعودية وأميركا والفاتيكان. لكن “حزب الله” رفضه رغم حلفه الوثيق مع حليفها الإقليمي الثاني سوريا بشار الأسد باعتبار أن حليفته الأولى هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية. كان السبب استياء “الحزب” من كون “الطبخة الرئاسية” لفرنجية أُعدّت بداية من دون علمه، ولم يطلع على تفاصيلها إلا بعدما قاربت “الاستواء” لكن كان هناك سبب آخر عنده هو وعده العماد عون بالرئاسة واقتناعه بأنه أكثر فائدة له في تلك المرحلة. كما كان هناك سبب ثالث هو دعوة الأسد حليفه فرنجية الى التنسيق مع السيد حسن نصرالله في هذا الموضوع. فأدرك أن قرار ترئيس عون على اللبنانيين قد اتُخذ فقَبِلَه، حتى إنه لم يحضر الجلسة النيابية التي كانت حُدّدت أساساً لانتخابه (أي فرنجية) رئيساً. طبعاً هذا تاريخ، لكن المهم هنا، وكان حرص كاتب “الموقف هذا النهار” في أثناء زيارته السنوية لواشنطن محاولة معرفة أشياء جديدة عن هذا الموضوع باعتبار أن فرنجية مرشحٌ الآن عملياً وفعلياً لأن الدستور اللبناني لا يفرض على كل طامح الى الجلوس على كرسيّ الرئاسة في بعبدا تقديم طلب ترشيح رسمي وفي مهلة معيّنة وضمن شروط محدّدة، كما باعتبار أن الاعتراض عليه من الداخل المسيحي لكونه حليف الأسد و”حزب الله” ومن دول خارجية كانت أيّدته سابقاً رغم كونه حليفهما. علماً بأن هذه الدول كانت تعرف عندما أيّدته تمسّكه بـ”الخط السوري” السياسي وتشعباته الأمر الذي جعله عملياً وطبيعياً حليفاً لـ”حزب الله” ابن إيران الإسلامية.
هل توفّق كاتب “الموقف هذا النهار” بجديد حول هذا الموضوع في أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن؟ لا يستطيع الذين عاصروا هذه المرحلة من واشنطن كما من بيروت أن ينسوا أن أميركا تبنّت ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة في حينه رغم اختلافها الشديد أو العداء الشديد الذي كان بينها وبين إيران الإسلامية وسوريا بشار الأسد. والرئيس سعد الحريري لم يكن يعرف فرنجية في ذلك الحين ولم تكن هناك علاقة بينهما إلا أن هناك من عمِل لإقامة علاقة كهذه ونجح. بعد انتقال هيل الى باكستان حلّ مكانه في بيروت ديك جونز (ريتشارد) بصفة قائم بالأعمال. علماً بأنه مثّل بلاده في لبنان سفيراً في السابق وفي أثناء ولاية الراحل الرئيس الياس الهراوي. أما تعيينه قائماً بالأعمال فكان له سببان الأول أنه أُعيد من التقاعد الى الخدمة وبدا أن مهمته اللبنانية كانت موقّتة. أما الثاني فكان إلمامه بالوضع اللبناني بل اطلاعه عليه. وذلك أمر مطلوب في مرحلة لبنانية صعبة في ذلك الوقت كان “حزب الله” متمسكاً بعون رئيساً ولم تكن أميركا تعتبره مرشحاً للرئاسة تستطيع أن تمشي به أي أن تؤيّده أو تعتبره مرشحها. لكن السفير السابق والقائم بالأعمال اللاحق ديك جونز تصرّف على أساس أن فرنجية هو مرشّح أميركا وانتشرت هذه الخبرية أو المعلومة في لبنان وإعلامه لكنه لم يكذّبها فصار فرنجية مرشّح أميركا. لم يُعجب ذلك “حزب الله” على الإطلاق علماً بأن مرشحه للرئاسة كان ميشال عون. كان “الحزب” أقوى من الآن في حينه. له عسكر يُحارب في سوريا دفاعاً عن نظام الرئيس بشار الأسد ولم يكن له في بيروت كما في مناطق لبنانية أخرى منافس له. سليمان فرنجية التزم تحالفه معه ولم يحضر الجلسة النيابية التي كانت يُفترض أن تُخصّص لانتخابه هو رئيساً. ساعد في ذلك كله سمير جعجع رئيس “حزب القوات اللبنانية” بتوقيعه “تفاهم معراب” مع جبران باسيل الأقرب الى عون الذي كان في حينه مرشّح “حزب الله” وسعد الحريري والجميع (أي السعودية وفرنسا وغيرهما وطبعاً لم تعترض أميركا). ماذا عن الآن؟ كان سؤالي للديبلوماسيين الأميركيين الذين خدموا سابقاً في لبنان؟