كتبت النهار
في الظروف والحيثيات المختلفة التي غلّفت وواكبت قرار جامعة الدول العربية إعادة النظام السوري إليها ترانا أمام سؤال يتجاوز تبرير الرفض البديهي والحتمي والطبيعي لهذه الخطوة وهو: هل هي عودة النظام السوري من حيث يراد له التعويم أم “النظام العربي” المتآكل المتداعي هو من يعيد تعويم نفسه بنفسه وبأي طبيعة “جديدة”؟
لا نغالي إن شعرنا مع أكثر “الرعايا” العرب، وبمنتهى الصراحة، بأن الرفض الأميركي والأوروبي المستمرين لإعادة تطبيع العلاقات العربية والدولية برمّتها مع النظام السوري يمثل المشروعية والشرعية الحقيقية لعمق الموقف العارم الذي كان لا يزال يتعيّن على الدول العربية التزامه. ومن دون التوغل في تفاصيل وحيثيات الدوافع والظروف التي تواترت وأدّت الى تقديم الهديّة الطوعية المجانية هذه الى النظام السوري بما هو عليه في إمعانه في سياسات تدمير بلاده التي أدّت الى تهجير أكثر من نصف شعبه الى بلدان الجوار، لا يمكننا تجاهل المعادلة الحتمية التي رسمها قرار مجلس الجامعة العربية والتي تنذر بسقوط مروّع لكل الآمال والطموحات التي قامت على فكرة قيام نظام عربي متجدّد وتغييري انطلاقاً من مساءلة ومحاسبة أنظمة كذاك الذي يمثله النظام السوري. بل لعلنا نسارع الى السؤال الآخر، وهو كيف تستوي فكرة التطلع الى نظام عربي محدث ينفض حماية أنظمة دموية لم يعد لها مكان في هذا القرن وهذا العالم ثم تُفتح البوابات أمام تعويم النظام السوري؟ أغلب الظن أن الدول العربية التي دفعت وتدفع الى تعويم هذا النظام إنما تفعل ذلك لمصالح متقاطعة ظرفياً ولكنها في مقياس المعيار المبدئي تبدو نظرة قاتلة الى بقايا ما يعوّل على تعويم إطار عربي ينتصر لحقوق الإنسان والحريات والحق الأول والأخير للضحية في العدالة والاقتصاص من “أبطال” المجازر. لا ندري أي رهان سيكون على المعادلة المسمّاة “خطوة مقابل خطوة” التي برّر عبرها قرار إعادة النظام السوري الى الجامعة العربية، وكأن الذين يحاولون تبرير ما قاموا به يحاولون عملياً طمس وحجب التجارب المدمّرة التي يحفل بها سجلّ السنوات الـ12 من الحرب السورية وقبلها تجارب أكثر من عقدين من تحكّم وسيطرة واحتلال النظام السوري في لبنان.
ما بات يُفترض التدقيق فيه الآن، وفي الإطار الأوسع لهذا القرار، هو ما إن كانت منظومة الدول العربية ذاهبة بدورها الى إحياء إطار متقادم أسوة بما فعلته بتعويم “نظامها الشقيق”. لن نظلم الطبقة السياسية اللبنانية بكاملها في تعميم جائر لكننا في القرار الذي يعوّم نظام الأسد أشبه ما نكون بتعويم الجسم الأكبر من الطبقة السياسية المسؤولة حصراً عن انهيار لبنان مع فارق انتفاء الحرب راهناً بين ما يجري في سوريا ومجريات الانهيار في لبنان. أتراهم “العرب” كانوا يخشون تدحرج حجارة الدومينو في التغيير الكبير الذي يُفترض دعمه في سوريا كما في لبنان كما في أيّ بلد عربي آخر؟ لن يكون ثمة فسحة متاحة بعد الآن لمعالجة سقطة استراتيجية بهذا الحجم ولا رهان قطعاً على أن القمة العربية في جدّة ستتراجع أو تعيد النظر في ما أمر به وزارء الخارجية أمس في القاهرة. لكن ذلك لن يسقط كذلك تجربة سلبية للغاية من الزاوية المعنوية الإنسانية وهي اليأس من نظام عربي قادر على إطلاق آليات ملاقاة الحريات والانتصار الحاسم لحقوق الإنسان والشعوب