خلافا لتقديرات المؤسسة الأمنية للاحتلال التي توقعت بدأ تصعيد فوري يستمر لـ 3 أيام، يجري فيها ما يكون عادة من أيام المعارك بعد العدوان على قطاع غزّة. لكنّ هذا العدوان فعّل تكتيكًا جديدًا لدى المقاومة الفلسطينية، يحاكي ذاك الذي اعتمده حزب الله في السنوات الأخيرة. وهو تكتيك لم يعهده الجمهور الفلسطيني على مستوى مقاومته، كما لم يعهده كيان الاحتلال ومستوياته، التي شرعت في محاولة فهم وقراءة ما يجول في عقل المقاومة المدبّر هذه المرة. أكثر من 24 ساعة مرّت على اغتيال الاحتلال لـ 3 قادة من المجلس العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، لم تحمل ردًا “سريعًا”، حتّى “تاسعة البهاء” (توقيت الحركة في الرد عادةً نسبة لقائدها الشهيد بهاء أبو العطا) كانت صامتة. وإنّ إطلاق عدد من الصواريخ قرابة الساعة الواحدة والنصف ظهرًا من 10/5/2023، لم تبطل فعالية ذاك التكتيك، فهذه الصواريخ جاءت كرد فرعي على جريمة ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين اليوم ضمن سلسلة غارات شنّها على مناطق عدّة في القطاع.
هل تصمد الجبهة الداخلية أمام إطالة أمد حالة الطوارئ
هذا الصمت يبقي الجبهة الداخلية بحالة شلل تامة: مستوطنون في الملاجئ أو قرب الغرف المحصّنة، لا يمارسون حياتهم الروتينية “الطبيعية”، الموظفون ليسوا على رأس عملهم، وأكثر من 300 ألف طالب لم يتوجهوا اليوم الى مقاعد الدراسة. وهو استنزاف من الناحية الاقتصادية أيضًا. كما غيّرت مطارات الاحتلال مسار حركة الملاحة، ويتأهّب المستوى العسكري من خلال نشر بطاريات القبة الحديدية. فهل تتحمّل الجبهة الداخلية إطالة أمد حالة الطوارئ؟ يجيب “مسؤول أمني كبير”، حسب ما وصف الإعلام العبري، أنه “إذا لم يكن هناك إطلاق صواريخ، فمن المستحيل الاستمرار في إبقاء الجنوب في حالة شلل تام”.
الصمت الاستراتيجي يقلب النتائج
من ناحية أخرى، قلب هذا الصمت الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية، النتائج التي كان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ينتظر تحققها من هذا العدوان. وفي هذا السياق شرحت “القناة 11” العبرية أنّ “إسرائيل تعتقد أن عمليتها حققت أهدافها لكن استراتيجيًا لا تبدو كذلك، فغزة وضعت إسرائيل في شلل كامل، بسبب انتظار الرد وتحديد مصير العملية”. كما أحدث هذا الصمت صدمة في أوساط الاحتلال عبّر عنها “مسؤول أمني” لقناة “كان” الذي قال نحن متفاجئون من أن الجهاد الإسلامي لم يطلق الصواريخ الليلة الماضية”.
الاحتلال في دوامة التكهنات
أدخل هذا التكتيك الجديد مستويات الاحتلال في دوامة تكهّن ردّ المقاومة، وأربك حساباته:
_ زعم نتنياهو إمكانية إطالة فصائل المقاومة الفلسطينية التصعيد حتى موعد ما يُسمى “مسيرة الأعلام” اليهودية في ذكرى يوم النكبة، من أجل تعزيز وحدة الساحات بالنسبة للمقاومة.
_ طرح رئيس مجلس الأمن القومي السابق، والرئيس الحالي لمعهد “مشغاف للأمن القومي والاستراتيجية الإسرائيلية” في القدس المحتلّة، مئير بن شبات، في حديث لصحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية بعض الفرضيات التي يمكن أن تفسر ما يدور في أذهان كبار مسؤولي فصائل المقاومة الفلسطينية.
يضع “بن شبات”، كإحتمال أوّل “رغبة الجهاد الإسلامي في الرد بخطوة مفاجئة”، مرجحًا أن يكون “هجوم مضاد للدبابات على الطرق القريبة من قطاع غزة، أو هجوم تسلل أو استخدام نفق، وهذه إجراءات يتطلب إعدادها وقتاً إضافياً”. وكاحتمال ثانٍ، يتوافق “بن شبات” مع الرأي السائد في أوساط التحليل العبري، أن الرد لن يقتصر على الجهاد الإسلامي وحدها بل قد يكون مشتركًا مع الفصائل الأخرى وفي مقدّمتهم حركة حماس.
كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قد حذّر “العدو” في خطابه في يوم القدس العالمي من استراتيجية تقسيم الساحات والاستفراد بكل واحدة، وتوجه اليه بالقول، “أريد أن أقول للعدو هذه لعبة خطرة، ليس دائمًا تبقى قادرًا على أن تمسك بأطراف وخيوط هذه اللعبة”. وقد أفلتت هذه المرة المقاومة الفلسطينية خيط الحرب النفسية من يد “العدو” ورئيس وزرائه نتنياهو، واحتفظت بتوقيت المعركة.
الكاتب: مروة ناصر