كتبت النهار
من “ابداعات” الألاعيب السياسية اللبنانية ان المعركة الجارية منذ نحو سبعة اشهر لانتخاب رئيس للجمهورية أفضت الى ظاهرة تصنيف المرشحين الرئاسيين الى فئات أولى وثانية وثالثة، بما لم يعرفه بلد في هذا التصنيف. وبلغ تطور الصراع الآن حدود تقدمٍ متوهّج لفئة “المرشح الثالث” بما يعني أو يُفترض ان يعني “المرشح المستقل” حتى لو تبنّته أحزاب وقوى سياسية من ضمن تركيبة البلد التقليدية القائمة حتى إشعار آخر.
بطبيعة الحال لا جديد في ما تقدم لأن اللبنانيين اعتادوا وتطبّعوا مع يوميات سياسية وإعلامية تتداول هذه التصنيفات آلياً وكأنها تصنيفات مسلَّم بها بما يعكس حال “الخنوع” الوطني اذا صحّ التعبير لكل ما تفبركه آليات وأنماط الطبقة السياسية. وهي ظاهرة حتمية ما دامت أيّ محاولات جادة وجريئة لاختراقها لا تحصل على ايدي نخب يُفترض ان تتحلى بروح المبادرة لتبديل “قواعد الاشتباك” التي تدفع بالأزمة الرئاسية الى مزيد من العبثية والمراوحة وتعرّض الخيار الرئاسي الحاسم أكثر فأكثر للاستتباع الخارجي والارتهان الفئوي الداخلي.
نقول ذلك ونحن نتوجه الى مجموعة غير بسيطة “عددياً ونوعياً” تجمع المرشحين المستقلين الجديين، أو “المفترضين” مستقلين، والذين تتطاير أسماؤهم وتتناثر في فضاء الساحة المفتوحة بين أكبر فريقين سياسيين وحزبيين كانا يختصران سابقا معسكري 14 آذار و8 آذار لنسأل: الى متى يصمت هؤلاء “المرشحون” سلباً اذا لم يكونوا مرشحين وايجاباً اذا كانوا مرشحين؟ ولماذا يتركون الساحة لمن يعرضهم في ساحة الصراع إنْ على سبيل الجدية في ترشيحهم أو في معرض حرق أسمائهم للوصول الى انتصار انتخابي، أو على سبيل المناورات لبلوغ تسوية شاملة تسقط مرشحاً لا ندري مَن سينتخبه حينذاك النواب أم الدول؟
ثمة مئة سبيل وسبيل لتبرير الجواب التلقائي الآلي “التقني” والدستوري والسياسي لعدم “نطق” أيّ من المرشحين المستقلين الذين نأبى اهانتهم بتوصيف “المرشح الثالث”، كما نأبى تعظيم ونفخ “المرشح الأول والثاني”، وكل ذلك ينبع من ثقافة سياسية هابطة لا تقيم اعتباراً لا لأصول دستورية ولا لرأي عام حيّ ولا لمرشحين لا يستشعرون الحاجة للدفاع عن مكانتهم وهم يُطرحون لرئاسة جمهورية “لبنان العظيم”. ومع ذلك ترانا امام مرحلة من التعفن السياسي والمعنوي باتت تفرض قلب الطاولة على نحو جذري معنويا وسياسيا واعلاميا ولو تعذر ذلك في المجريات الدستورية وبقيت الازمة قائمة.
نقصد بذلك ان الاستسلام لدى المرشحين المستقلين “الواعدين والموعودين” أياً كانت فرصهم في هذا المعترك، سيسقطهم عاجلا أم آجلا في حفرة تصنيف شديد القتامة يشبه تماما ما أصاب “نواب التغيير” يوم صاروا في نظر غالبية اللبنانيين متساوين تماما مع نواب الطبقة التقليدية بلا أي تمييز. ثم إن معركة رئاسية هي الأولى بعد انهيار تاريخي يكاد يمحو معالم هذا البلد برمته تستأهل وتفرض رؤية مرشحين مقدامين ببرامج واضحة وشفافة ومصارحات مكشوفة ومفتوحة في زمن الإعلام الجديد الكوني المعولم والمهيمن على البشر هيمنة مخيفة. لم يعد ممكناً تسويغ هذا السكون، لأي تقدير أو حساب، لدى مرشحين تدور المعركة بهذه الشراسة عليهم إن في داخل معسكر أو بين معسكرين، فيما لا يعلم اللبنانيون بعد ما اذا كانوا مرشحين فعليين ام لا ووفق أي تصورات لإنقاذ مَن يتصارعون باسمهم من أخطر مصير بلغوه. إلى متى؟!