كتبت النهار
حين قرر “حزب الله” قبيل نهايات عهد الرئيس ميشال سليمان اطلاق رصاصة الرحمة على “اعلان بعبدا” بعدما صار الإعلان مبعث صداع وارق للحزب بفعل التلقف والتبني الدولي له، اختصرت عبارة ” يبلوه ويشربو ميته” للنائب محمد رعد مسار اسقاط سياسة “النأي بالنفس”. حين اتجه الحزب الى “افهام” الداخل والخارج البارحة بان ترسانة سلاحه هي وجوده كلا وان اكثر وابعد من مناورات يمكن ان تعقب مناورة عرمتى اختصر الشيخ نعيم قاسم كل “الاحترام” لحرية الرأي لدى خصومه واعدائه وحلفائه أيضا باقتضاب المتواضع “يحكوا يلي بدهم إياه” .
عينتان معبرتان فقط من مسار طويل من نماذج الادبيات المماثلة التي غالبا ما “يجاهد” الحزب واقطابه واعيانه والناطقون بالقرارات “العميقة” فيه لافهام الاخرين بعقم الرهان على حل جذري او تسوية جذرية معه على قيام ما يسمى دولة في لبنان ولكن عبثا. نقول عبثا ان يفهم “الاخرون” ان الحزب أراد قبل يومين، وهذه المرة اكثر من أي وقت سابق، افهامهم ان استقواءه على مجمل اللبنانيين يوازي الاستراتيجية القتالية “المقاومة” ضد إسرائيل حتى حين ظن السذج من اللبنانيين ان صفقة التفاهم الإيراني السعودي ستتمدد نحو لبنان لانعاش مبدأ احياء دولة ما فيه.
أيا تكن مسوغات الحزب ومبرراته الصورية او الدعائية لاقامة مناورة عرمتى، فيستحيل ان تحجب الرسالة الأقوى اطلاقا التي اطلقها عبرها لجهة مسارعته الى احتواء سريع خاطف لقلق انتابه جراء إيحاءات الثمن الذي سيدفعه من سطوته الاسرة على “الميدان” الجنوبي او تحكمه بالقرار السياسي للسلطة اللبنانية كنتيجة افتراضية للصفقة السعودية الإيرانية. هذا الحافز يبدو كأنه الجوهر الأساسي في دفع الحزب الى مغامرة كبيرة لا احد يقدر تداعياتها حتما اكثر من غرفة القرار الاستراتيجي في الحزب نفسه ومع ذلك قرر ركوبها أيا تكن الاعتبارات. مرت 23 سنة منذ تحرير الجنوب عام 2000 ومرت 18 سنة منذ حرب 2006 فماذا عدا مما بدا فجأة لاطلاق يوم المناورة “النادرة” بهذا الشكل الاستفزازي المتعمد لكل أحلام وطموحات و”اساطير” قيام دولة يوما ما في لبنان؟
ثم ان مقلبا اخر من هذا التطور، وان نفاه الحزب في المطلق او استخف كعادته بمثيريه، يتصل بالمسألة الرئاسية فعلا اذ يستحيل فصل او عزل حدث بهذه الطبيعة المختلطة بين مهمة استعراض السلاح ورزمة الرسائل الدفينة والعلنية التي اريد لها ان تعمم من خلاله عن القضية الأهم والمحورية في الواقع اللبناني الراهن التي تختصر كل مستقبل البلد. ولذا ، يغدو “واجبا” ان يجيب الحزب عن سؤال بديهي : هل خدم استعراض عرمتى ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة وكيف وباي اتجاه سيسيل هذا “الدفع” لترشيحه وايصاله الى بعبدا؟ والاهم هل استشعر فرنجية بنفسه ان الاستعراض النادر هذا قدم له ما يفتقده لاكمال نصاب الثلثين والنصف زائد واحد بما يفتح امامه طريق الوصول الى بعبدا ؟
لن نسقط في مزالق التبصير والتنجيم على الطريقة العشوائية السخيفة السائدة في التعامل السياسي والإعلامي مع عقول اللبنانيين في معضلة الاستحقاق الرئاسي اذ ان الجزم باي احتمال لا يزال ضربا من ضروب المغامرة والتلاعب بالحقائق. ولكن ما يستحق ويوجب الجزم المطلق هو ان تلك المناورة وفرت، بكل رسائلها الواقعية والافتراضية،المسوغ المتجدد الثابت للكثير من اللبنانيين المتخوفين والرافضين لمقولة “المرشح الذي لا يطعن المقاومة” .