كتبت النهار
قد يبدو مفيدا، عند مشارف المحاولة المتقدمة لدفع مرشح جديد للقوى المعارضة والتيار العوني الى السباق الرئاسي، مقاربة حلقات “تناسلت” أخيرا إما مصادفة وإما تعمّدا يصحّ ان ندرجها كلها في اطار “ذمية سيادية” تستسقي ذمية أخرى وهكذا دواليك.
بداية وأولا، أيّاً تكن الظروف والملابسات المشبوهة لنبش المعادلة المشؤومة المسمّاة “س – س”، لا يمكننا التسليم بسذاجة ان ما تواتر عنها في أحلام وحنين وطموحات أتباع نظام بشار الأسد عقب واقعة تعويم نظامه في قمة جدة لم يكن إلا نتيجة استسهال أخذ لبنان مجددا بجريرة منطق ذمّي لم يُقم يوما اعتبارا للحدود البديهية من سيادته. هذه الردة الذمية السيادية المرفوضة رفضا قاطعا باستعداداتها أو بأي طريقة لنفخ الروح في شراكات عربية وإقليمية مع النظام الاسدي على حساب مسخ إضافي لسيادة لبنان ستكون بأقل الأحوال اعلانا لاستعداء فئات واسعة من اللبنانيين، ناهيك عن سباحة عكس العصر لا بل محاولات عقيمة لحراثة البحر لكونها محاولات لإحياء العظام وهي رميم. فما استحال تمريره منذ اكثر من عقد ونصف عقد في معادلة الـ”س – س” بات الآن أشد استحالة من خارجٍ وداخل، وعسى يتعظ أصحاب الاحلام الميتة ولا يقدمون على محاولة تمرير تجارب هالكة جديدة كهذه.
مرورا الى الحلقة الذمية “الشقيقة” الأخرى وهي أيضا في الاطار السيادي الخالص ولا شأن ولا رابط لأي بُعد طائفي بها كما يوحي التعبير الذمّي، والمقصود بها مناورة بالسلاح الثقيل والآلة الحربية الفتاكة والصواريخ والمدفعية، ناهيك عن المقاتلين “السوبر المحترفين” على أرض الجنوب في ظرف ومكان وحيثيات لا سابق في خطورتها اللبنانية مطلقا، فكانت المناورة اشبه باطلاق رصاصة الرحمة في رأس بقايا دولة وسلطة وهيكلية صورية متهالكة لمهابة الجمهورية المنزوعة القدرة تماما عن منع انتهاك بهذا الحجم لوجودها. تلك الذمية افدح من الزعم الكاذب الذي يتلطى وراءه مبرّرو الذمية السيادية بالمساواة تماما بين “الجيش والشعب والمقاومة” أو الذين اقاموا حرما مانعا لأي مسالك تؤدي الى فتح ملف السلاح غير الشرعي وترسانته تحت طائلة تخوين من يرتكب هذا “الإثم” القاتل. والحال ان “افضل” ما تركته تلك المناورة من تداعيات هي انها ستحرك وتثير في كل لحظة ملف السلاح بدون تطوع من أحد، وسيُسأل أي مرشح رئاسي “مقدام”، ويجب ان يُسأل بلا هوادة، ماذا وكيف ومتى الحل الجذري “المتصوَّر” لديك لهذه المعضلة البنيوية في طريق “إحياء” دولة ذات سيادة؟
أما الحلقة الثالثة وإن كانت لا ترقى الى مستوى وحجم واهمية تطورات مفصلية يمكن ان تلعب دورا خطيرا في ما يخطَّط ويدبَّر للبنان او يتدفق عليه من تداعيات لا يجد من يصدّها بالاقتدار الكافي، فلا استهانة بخطورتها المجتمعية وتداعياتها المؤذية لجهة تظهير خلل في سلوكيات فئات تمسك بناصية التأثير المدني او الديني الطائفي على المكونات والجماعات اللبنانية. لم يكن غريبا اطلاقا ان تثير تلك الحادثة التي ضجت بها وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي تحت وطأة الغضب والسخط لمشهد مجموعة من رجال دين مسيحيين رفيعي “الرتب” يقدِّمون طقوس الولاء لـ”حزب الله” في عرمتى، ما يتجاوز البُعد “الذمي” الطائفي الى الأخطر. المسألة ليست أبداً ويجب ألّا تُدرج اطلاقا في اطار مسيحي – إسلامي، فهي أولا وأخيرا وبكل المعايير مسألة كرامة فردية وجماعية وسيادية، والكرامة نقيض كل ذميّة.