كتبت النهار
قد يصعب على باريس ان تبدل موقفها من المعادلة الرئاسية التي عملت على تسويقها بناء على اقتناعها بها على اثر استقبال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون البطريرك الماروني بشارة الراعي. والبعض يجزم بانها لن تفعل ذلك قطعا استنادا الى تحد جديد ستضعه امام القوى المسيحية هو تأمين موافقة الثنائي الشيعي على المرشح الذي اعلنت هذه القوى دعمه اي الوزير السابق جهاد ازعور. وهذا الثنائي رفع مستوى التشنج في مواقفه رفضا للاتفاق بين القوى المسيحية على نحو يدعم الموقف الفرنسي في الذريعة التي يرفعها في ان الثنائي اعلن انه لن يغير موقفه مهما طال الوقت وانه يستطيع الانتظار حتى يتعب الاخرون باعتباره اقدر على مواجهة الانهيار الذي يواجهه لبنان وتحلل مؤسساته من القوى المسيحية التي تفقد تباعا المناصب القيادية لديها نتيجة الشغور الرئاسي في الدرجة الاولى وغياب التعيينات. هذا في حال كان موقف باريس يعتمد المقاربة السياسية البحت في حين ان قوى عدة باتت ترميها بمصالح اقتصادية ونفطية لا تتعلق بلبنان فحسب بل تتجاوزه الى دول اخرى. ولكن تقر مصادر سياسية ان التوافق المسيحي قد يساهم في تعقيد المشهد والجهود التي بذلتها من اجل تسويق المعادلة التي تبنتها لا سيما اذا استمرت هذه القوى على موقفها . فوفقا للممارسات والتجارب السابقة، فان الاتفاق المسيحي – المسيحي عطل في مرحلة ما في التاريخ الحديث الذي لا يزال حيا معادلة ” مخايل الضاهر او الفوضى ” التي انتهى اليه اتفاق الموفد الاميركي ريتشارد مورفي مع الرئيس السوري حافظ الاسد انذاك. ففي كل مرة حصل تنافس او صراع بين الزعماء المسيحيين على كرسي الرئاسة تعزز موقف الخارج او موقف الطوائف الاسلامية في صناعة رئيس الجمهورية . وهذا التوافق راهنا من شأنه ان يضعف تموضع ” حزب الله” لا بل موقعه على هذا الصعيد في الوقت الذي تتلاقى اوساط عدة على ان مواقفه التهويلية الاخيرة بالاضافة الى المناورة العسكرية في الجنوب ، ولو لاسباب اقليمية وغير محلية ، وقبلها اعلانه رفضه صندوق النقد الدولي فيما كان رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه يزور العاصمة الفرنسية للبحث في الشأن الرئاسي ، هذه المواقف للحزب تساهم في اضعاف فرنجيه بدلا من دعمه وتجعله مرشح تحد بامتياز فيما هو لا يطرح نفسه كذلك.
هل منعت انشغالات الاميركيين والاوروبيين بعيدا من لبنان، وهو لم يكن مهما جدا سوى في محطات معينة، استمرار ايلاء اهمية لنفوذ ” حزب الله” وتوسعه ام هي استسلمت لامر واقع لا قبل لها بتغييره نتيجة تغيير ميداني ترفض القوى السياسية اللبنانية الاقرار به ، ام ان هناك مبالغة من هذه القوى في تصوير الامور على ان المعركة الرئاسية هي بين تأكيد الحزب نفوذه او منعه من تأكيد سيطرته على الدولة ومؤسساتها ؟
لا شك ان النظرة الفرنسية للحزب مختلفة كليا عن النظرة الاميركية له فيما تفيد كل المعطيات بان الولايات المتحدة اتاحت لفرنسا لعب هذا الدور وبالطريقة التي ارتأتها نتيجة عدم قدرتها وعدم رغبتها على الانشغال بالملف اللبناني علما ان لا مشكلة لدى واشنطن ازاء سليمان فرنجيه لا سلبا ولا ايجابا . ولكنها قد تكون اقرب الى تفهم الهواجس المتعلقة بدور ” حزب الله” اكثر من باريس ، ولكنها بعيدة من الانخراط في اي دور تدرك مسبقا احتمالات تعرضها للابتزاز نتيجته وعدم استعدادها للتفاوض او المقايضة انطلاقا من لبنان او فيه. وقد يكون المؤشر الابرز على ذلك خضوع المنطقة لمجموعة من التطورات المهمة جدا والتي يمكن ان تشكل منعطفا جذريا في اتجاه السياسات المعتمدة من دولها من دون ان يكون لواشنطن اي انخراط مباشر . ويعد البعض ذلك انسحابا اميركيا من المنطقة فيما يسأل بعض اخر اذا كانت هذه هي السياسة الخارجية الجديدة لواشنطن ازاء دول المنطقة وتأكيد مسؤوليها ان ما قد يكون بدا بالنسبة الى دول عدم تباعد بين اميركا وبعض الدول المؤثرة ليس صحيحا او دقيقا بل يندرج من ضمن المقاربة الاميركية المدروسة للادارة الحالية .
وتاليا فان سؤالا اخر يدور حول اسباب الفشل لدى القوى المسيحية في اقناع فرنسا برفضها لفرنجيه تماما انطلاقا من قلقها او هواجسها من نفوذ الحزب وسيطرته كما يدور حول فشل فرنسا في تهدئة المخاوف لهذه الجهة وتركيزها على الحصول على الدعم السعودي فحسب، ربما بسبب اهمية اقفال النزف الحاصل في لبنان باي طريقة ممكنة . من هنا الاعتقاد لا بل الاقتناع بان الموقف الفرنسي قد لا يتغير ما لم يدخل معطى جوهري مختلف ليس اكيدا انه ينحصر في تأكيد البطريرك الماروني امام ماكرون على اهمية المحافظة على الدور المسيحي الوازن في لبنان ، وقد يكون تحت وطأة الامر الواقع في عدم القدرة على تجاوز التوافق المسيحي اذا ثبت وتأكد . وهو ما قد يفرمل اندفاعة الدول الاخرى على الارجح وتدفع للبحث في اتجاهات اخرى .
يقول البعض ان استقرار لبنان بات على المحك بالاضافة الى قدرة مؤسساته على البقاء في ظل العجز عن تسييرها بالحد الادنى فضلا عن ان خطف المواطن السعودي اعطى رسالة سلبية جدا انطلاقا من عدم الكشف عما اذا كان خطفه هو عملية امنية او هي رسالة سياسية بابعاد مختلفة او امر اخر ، حتى لو نجحت مخابرات الجيش في العثور عليه واطلاقه. وليس واضحا او اكيدا اذا كان ذلك سيشكل دينامية تدفع بالعملية الانتخابية المعقدة الى الامام فيما يخشى البعض ان يكون الفراغ المديد هو المرشح الابرز للمرحلة المقبلة على ضوء المواقف الاخيرة .