كتبت النهار
يأبى الثنائي “أمل – حزب الله” مغادرة ما كان يأمل معظم اللبنانيين أن يكون “عارضاً” متوتراً يمكن تبريره في معرض مقاربة الصراعات السياسية الداخلية سواء في الاستحقاقات الانتخابية أو سواها كوسيلة تحشيد وتعبئة طائفية تدمنها غالباً الطبقة السياسية السقيمة في هذا البلد. لكن حدود “العارض” سقطت سقوطاً ساحقاً أمام مضيّ “الثنائي” بلا هوادة في ما يتجاوز بخطورته هذه المرة أي دوافع سياسية ومذهبية وطائفية الى معادلة لم يعد ممكناً تجاهلها لاتصالها بما يقفز فوق الاستحقاق الرئاسي أي الى سياسة الحكم والسلطة والسيطرة على القرار السياسي للبلد كلاً.
والحال أن مقارنة خاطفة بين سلوكيات هذا الثنائي في المرحلة الأولى من أزمة الشغور الرئاسي التي عقد فيها مجلس النواب جلساته الـ11 والمرحلة الثانية من الأزمة التي شهدت انقطاع الجلسات وصولاً الى الوقوف الآن عند بدايات المرحلة الثالثة التي ستنطلق رسمياً مع الجلسة الـ12 تنذر بتطوّر بالغ السلبية في سلوكيات الثنائي ومقارباته بحيث لم يعد مجدياً رشقها فقط بالتوتر أو افتعال المناخ المذهبي الطائفي وزج الاستحقاق في أتونه. كان الثنائي على رغم إغراقه طوال الجلسات الـ11 السابقة بالأوراق البيضاء أكثر قابليةً للبراغماتية والتمظهر صورياً وشكلياً على الأقل بمظاهر اللعبة الديموقراطية آنذاك مما هو عليه الآن أو ممّا صار عليه بالأحرى.
في معارضته الحادة للمرشح النائب ميشال معوّض لم يكن “الثنائي” طرياً طبعاً ولا مرناً وكال لمعوّض “الأدبيات” السائدة في خطابه عادة حيال كل المجموعة السيادية الخصمة في لبنان. لكنه قياساً بالقليل من الأيام السابقة فقط لم يبلغ حدود “التخوين” على أساس الترشح فقط في مواجهة مرشحه سليمان فرنجية على غرار التفلت العصبي الفائق التوتر والخارج عن كل ضبط شكلي في هذه العاصفة العصبية غير المسبوقة في تعامل الثنائي، بكل زعاماته ومسؤوليه ونوابه، مع ترشيح جهاد أزعور.
لم يعد مهماً التنقيب عن أسباب انزلاق الثنائي الى هذا الانفجار ولا التدقيق في المسببات الخارجية الأكثر رجحاناً في إشعال عصبيته من الدوافع الداخلية، بل ما يعني أكثر التدقيق في المسار الذي يزج به خطاب متوتر مقترن بالمضيّ المتوقع في تعطيل انتخاب رئيس الجمورية والى أين سيمضي لبنان في ظل ثقافة سياسية لفريق متحكم مسيطر لم يعد يقبل بالبديهيات الطبيعية للأصول الديموقراطية المتعارف عليها.
نقول “الانزلاق والزج” لأنه بخلاف المراحل التي شهدت عنفاً دامياً واغتيالات وأحداثاً أمنية درامية، لم يتطور الواقع السياسي والدستوري الى حدود “تحريم” أي فريق لبناني للعبة والأصول الديموقراطية على النحو الذي “يحرم” ترشيح مطلق شخص في مواجهة مرشحه كما يحصل الآن. هذا التطور يشكل في دلالاته الأبعد والأعمق من مجرد تعبئة طائفية ومذهبية أحادية منذرة بإشعال انقسام بدأ فعلاً وسيمضي تصاعدياً، نذير ديكتاتورية حزبية مذهبية لم يتمكن الوصيّ السوري نفسه في أشد مراحل الظلامية على لبنان من فرضها فراح يتلاعب بالتعددية الطائفية ولو صورياً لتمديد وصايته ونجح في الكثير من الحقبات في قطف ثمارها.
يتعيّن على “الثنائي” أن يصل الى نقطة يدرك فيها أن تجاوز كل الخطوط الحمر القاتلة لا يقيم أمام اللبنانيين سوى مشهد الانقلاب المتدحرج الفاشل سلفاً الذي يراد له أن يحكم بسياسات أحادية فاقعة، وإلا فليفسّر للناس معنى معزوفة هالكة يدعو فيها الى “التوافق والحوار” بمعنى استسلموا لنا!