كتبت النهار
اذا كانت خيارات الكتل النيابية الكبيرة اصبحت معروفة حيال المواجهة المنتظرة وتحديد أين ستصب اصواتها بين المرشحين الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، فإن الانظار تبقى مركزة في اتجاه النواب السنّة الـ 27 وتوزعهم على ثلاث مجموعات. وتنشط ماكينتا فرنجية وازعور في استقطاب اصوات هذا المكون، ويبرز دور الخيار السني الثالث الذي اعلن بوضوح أنه لن يكون في فلكَي ثنائي “حزب الله” وحركة “أمل” ولا مع اطراف المعارضة التي تلاقت في مصلحة انتخابية آنية مع “التيار الوطني الحر” على ازاحة فرنجية من مسرح الترشيح.
ويتمثل اللون السني الثالث في نائبي صيدا عبد الرحمن البزري واسامة سعد الى جانب عدد من النواب المستقلين و”التغييريين” من الطائفة نفسها ومسيحيين. ويتجه هؤلاء الى الاقتراع لاسم ثالث. وهذا ما يسعى اليه البزري الذي يرفض والنواب الذين يلتقي معهم الدخول في لعبة الاشتباك بين المسيحيين والشيعة التي تضر في رأيه بالمسار العام في البلد والتأثير السلبي على اللعبة البرلمانية الديموقراطية مع تسجيل احترامه للمرشحَين وعدم الانتقاص منهما. ولا يرى ان ايا منهما يمكنه ان يصبح رئيسا في هذا الظرف من التحدي المتبادل وتصفية حسابات بين الجبهتين. ويتوقف عند محطة “القوات اللبنانية” والعونيين على هذا التلاقي الانتخابي اليوم بعد مرور سبعة اشهر في رحلة الشغور المفتوحة. وما تراه هذه المجموعة النيابية هو عدم الفائدة من الدخول في الاصطفافات المطروحة، وان الكباش المفتوح بين الطوائف لن يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية.
في غضون ذلك، كان تم التواصل عبر حلقة ضيقة تتحدث مع الرئيس سعد الحريري للوقوف على رأيه في عملية الانتخاب انطلاقا من تأثيره المعنوي على عدد من نواب طائفته، فكان رده من دون قفازات او ايحاءات حيال هذا المرشح او ذاك بالقول “لن اتدخل”. وهذا ما قاله ويكرره الان منذ اعلان “تيار المستقبل” عزوفه عن الانتخابات. ولم يشأ الحريري الرد على كل هذه التساؤلات سوى قوله بأنه اول من رشح فرنجية عام 2018 و”حصل ما حصل”.
وفي تحليل موقف كل نائب او تجمع سني نيابي ولو كان مطعّما بمسيحيين، لا يقتصر اقتراع كل عضو على انتخاب رئيس الجمهورية من دون الربط برئاسة الحكومة او حجز مقعد وزاري. ولذلك لا يتم الاكتفاء عند هؤلاء بمهمة الانتخاب واختيار اسم ماروني على آخر، بل تدخل هنا لعبة الحسابات الخاصة والتدقيق جيدا في هوية من سيحل في قصر بعبدا، والاستفادة من منصبه في الانتخابات النيابية ولو بعد ثلاث سنوات لحلول موعدها.
ومن هنا لا تهدأ هواتف النواب السنّة وطلب عقد لقاءات معهم حيث يبقون تحت مجهر العيون النيابية المراقبة والتي ستشمل الجميع تحت قبة البرلمان حتى داخل الفريق الواحد.
وتفيد الجهات المواكبة للمزاج السني النيابي بأن السعودية ما زالت على حيادها الايجابي حيال الاستحقاق اللبناني. ولم تقدم على تزكية مرشح على حساب آخر حتى لو كانت ضمنا تميل الى شخصية وتفضلها على اخرى انطلاقا من موقع لبنان في الدائرة السياسية الضيقة في محيط ولي العهد محمد بن سلمان. واذا كان اعضاء كتلة
“التوافق الوطني” التي تضم فيصل كرامي وحسن مراد ومحمد يحيى وطه ناجي وعدنان طرابلسي سيقترعون لمصلحة فرنجية، فان كتلة “الاعتدال الوطني” الشمالية لم توضح بعد توجه رياح اصواتها.
وبالعودة الى جلسة الاربعاء، يدعو وزير سابق صاحب باع طويل في الصحافة والتعليم الجامعي الى التدقيق جيدا عند خريطة توزع اعضاء الكتل وجلوسهم على مقاعدهم. وما يقصده هنا هو ان نوابا معروفين سيقدمون على التفاتة سريعة لحظة قيام الزميل الذي يجلس الى جانبهم اذا كان يكتب اسم مرشح رئيس تكتله ام سيكتفي بالابقاء على بياض ورقة الاقتراع. واعطت الورقة البيضاء مخرجا لكثيرين بعد اعلان الرئيس نبيه بري والفريق المتحالف معه أنهم سيقترعون لفرنجية بعدما نجح رئيس البرلمان في جذب الاضواء اليه ليثبت لكل من يهمه الامر أنه يقوم بالواجبات الدستورية منه حيال عملية الانتخاب بغضّ النظر عن حصيلتها. ومن غير المستغرب إقدام نواب على عدم الالتزام بقرار رؤساء كتلهم حيال مرشحيهم. وابلغ مثال على ذلك ما حصل قبل اكثر من نصف قرن عندما اقدم النائب الراحل احمد اسبر في انتخابات 1970 واقترع لالياس سركيس بدل مرشح حزب “الكتلة الوطنية” سليمان فرنجية. وعندما كشفه العميد ريمون اده عمل على تمزيق ورقته الى قسمين ليصبح عدد الاوراق 100 مقترع في الصندوق بدل 99 مجموع النواب آنذاك.
وجرت عملية إدارة هذه الانتخابات باشراف الرئيس صبري حمادة. وقام اده في الدورة الثانية بكتابة اسم فرنجية بخط يده على ورقة اسبر وسلمها للعضو في كتلته ليسقطها في الصندوق تحت عيني العميد.
ويكثر الخوض اليوم في حصول تبدلات في خيارات نواب قد يقترعون عكس ما يقرره رؤساء احزابهم وكتلهم.
ويبقى الحديث عن “حقائب مالية” وتسليمها لنواب لقاء تزكية مرشح على آخر من دون اثباتات حسية حيث لم تفارق وقائعها انتخابات اكثر من ولاية قبل الطائف وبعده من دون تعميم بالطبع.