كتبت النهار
لا تتيح الأزمة الرئاسية الذاهبة الى مزيد من الاختناقات لأي فريق داخلي أن ينصّب نفسه أو إعلامه المباشر أو الوسيط أو أي “أدوات” مشروعة وغير مشروعة واعظاً في توزيع الشهادات في الشطارة أو الحماقة أو حسن الفطنة أو التحلي من عدمه بالتزام الحسابات الرابحة. ومع ذلك، وعلى مقربة أيام فاصلة عن محطة يُفترض أن تشكل موعداً مؤذناً بإعادة الأزمة الى حيث يجب أن تكون وتبقى، أي الاختبار الانتخابي في مجلس النواب، يدفع بنا الفريق المحتكر لكل سلوكيات الاستقواء وخطابه ومعجمه الى التيقن بأن خوف هذا الفريق من الانتظام الديموقراطي الدستوري للسباق نحو رئاسة الجمهورية ينطوي في العمق على مخطط أبعد من الأزمة الرئاسية للهيمنة السياسية الأحادية المستدامة على السلطة والدولة والقرار السياسي كلاً.
لا يمكن فهم “التخوين” الصاعد التصاعدي لمبدأ هو البداية والنهاية في أي نظام ديموقراطي مسلّم به دولياً ويستند الى التنافس الطبيعي الشرعي المشروع بين مرشحين للمنصب الأعلى في الدولة إلا أنه يكشف طبائع ومخططات انقلابية بات الفريق الذي لم يتعظ من تجارب التاريخ في لبنان يظن أن ظروف انتصاره فيها حانت ولن تتكرر ولذا لن يتراجع عنها مهما كلف الأمر. ولا يمكن أيضاً تفسير أغرب خطاب سياسي ينأى كل النأي عن بديهيات المنطق الدستوري والتنافس الطبيعي إلا في كون “عالم” هذا الفريق سابحاً في أحلام ما يُسمّى “النصر” ولا يسمح معها بأي تشويش عليه.
بإزاء استعصاء المحاولات كافة لإعادة عقلنة الخطاب العنفي الترهيبي للخصوم الذي يمضي تصاعدياً ثمة ما يوجب الاعتراف بأن الصدمتين اللتين تلقاهما أبطال هذا الخطاب في الأسبوع الذي سبق موعد الواقعة المقبلة المفصلية في 14 حزيران كانتا على قدر كبير من النفع والإيجابية وإن لم تؤدّيا وقد لا تؤدّيان الى تبديل مسار الأزمة والخروج منها في القريب العاجل. فما بين تقديم تكتل قوى وازنة جهاد أزعور مرشحاً يحظى بإمكانات الفوز واقعياً ومن ثم إعلان الإليزيه إيلاء الملف اللبناني الى جان إيف لودريان، يغدو المشهد قاتماً “سوداوياً” من نافذة فريق “الممانعة” بما قد يدفع الى الرهان الإيجابي لدى جميع الآخرين على صدمة لهذا الفريق كان لا بدّ منها لإعادته قسراً الى جادة العقلنة بعدما عزت معه كل أساليب الإقناع الأخرى. قد لا تكون هناك حكمة في المقابل في أي استباق لمجريات الأزمة والسباق والصراع الآخذ في الحماوة وحبس الأنفاس من الآن حتى موعد الاختبار الكبير الذي ستشكله الجلسة الثانية عشرة لانتخاب الرئيس “إكس” من بين اثنين حصريين. ولا نشارك الذين يسقطون على الواقعة المرتقبة في 14 حزيران التجارب التي عرفتها استحقاقات الانتخابات الرئاسية في العقود الماضية بما فيها التجربة الشهيرة في انتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجية بأكثرية الصوت الواحد الذهبي آنذاك التي لم تتكرر في تاريخ الاستحقاقات الرئاسية السابقة واللاحقة. ومع ذلك، يغدو من حق كل لبناني أن يوجّه أنظاره الى الفريق الذي يمعن في المكابرة وإطلاق العنان لخطاب الاستعلاء والتهويل على نحو بات معه هذا الخطاب أشبه بمهزلة فاقدة لكل المضمون الجدّي الرصين وأشبه بإدمان مرضي ولو عكس إصرار أصحابه على تأبيد الأزمة ما لم يحقق لهم أحلامهم المستحيلة. هو سؤال حصري: ماذا لو تدحرج بعد سوء الحسابات لديكم على غرار تجارب أصابت كثيراً من خصومكم أو شركائكم السابقين؟