كتبت النهار
لم يفت بعض المراقبين تسجيل ملاحظات مهمة على هامش مؤتمر دول التحالف الدولي ضد داعش الذي انعقد في الرياض في ظل مشاركة وزيري خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن وفرنسا كاترين كولونا، وقد أعلنت باريس تزامناً مع ذلك تكليف الوزير السابق جان إيف لودريان تولي زيارة بيروت في مهمة وفاقية تتطلع بها فرنسا مجدّداً لإنهاء الشغور الرئاسي. كانت دول مجلس التعاون الخليجي مشاركة أيضاً فيما لبنان حضر في لقاء وزيرة الخارجية الفرنسية مع رئيس الوزراء القطري في زيارة الأخيرة لقطر ولكن لو أن اجتماعاً خماسياً من أجل لبنان كان سيعقد أو أن لبنان سيكون على جدول البحث ولو في اللقاءات الجانبية لكان في الإمكان أن يحصل ذلك. وكان لافتاً تأكيد رئيس وزراء قطر وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أنّ الحل السياسي في لبنان بيد اللبنانيين وليس بيد أي دولة أخرى، لافتًا إلى أنّ قطر تدعم الجيش اللبناني لأهميته لاستقرار البلاد. وقال إنّ قطر تتشاور باستمرار مع فرنسا لإيجاد حلول سلمية لقضايا مثل الوضع في لبنان وسوريا والنووي الإيراني، فيما أشارت كولونا الى أنّ “قطر وفرنسا تعملان معاً على تقديم حلول سياسية للأزمة في لبنان وانتخاب رئيس لكل اللبنانيين”. ولا يمكن ترجمة ذلك تطابقاً في المواقف مع الإشارة اللافتة لرئيس الوزراء القطري الى الجيش اللبناني، فيما المؤتمر الصحافي المشترك لكل من وزير الخارجية الاميركي ونظيره السعودي فيصل بن فرحان لم يأت على ذكر لبنان بينما كانت سوريا في صلب المواقف التي أدلى بها بلينكن. ويعتقد بعض هؤلاء المراقبين أن الدلالات المباشرة لذلك تفيد بأن ليس لدى أي من دول المجموعة الخماسية ما يمكن إضافته أو من أدوار أو مبادرات يقومون بها سوى التحرك الفرنسي مجدداً وإعطائه فرصة جديدة بغض النظر عن التوافق في الآراء أم لا. ولكن من الدلالات أيضاً أن ليس لدى دول الخماسية جديد يضيفونه ولا أي منها يرغب في فتح الابواب للتفاوض مع إيران حول موضوع الاستحقاق الرئاسي في لبنان فيما لكل من الولايات المتحدة والسعودية المسار الخاص مع إيران من دون الحاجة الى إدخال عناصر جديدة للتفاوض. فإن كانت واشنطن وافقت على ما تردّد أنه اتفاق نووي موقت يجري خلاله تبادل رسائل عبر دول ثالثة وتتحدث عنه إيران بكثرة في الايام الاخيرة، فلن يكون في وارد الولايات المتحدة تشتيتها بمسائل أخرى تفتح الابواب أمام مطالبات جديدة من إيران. والحال نفسها مع السعودية التي بدأت تنفيذ مسار إعادة العلاقات واتفاق مع طهران لا يبدو أن لبنان يندرج من ضمنه ولا تنوي المملكة إدراجه كذلك. يضاف الى ذلك أن فرنسا بتبنيها المعادلة الرئاسية للثنائي الشيعي التي نصّت على دعم انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في مقابل رئيس حكومة للقوى الخصم للثنائي الشيعي إنما سلفت إيران أو كانت على خط التفاوض معها في انتظار ما سيتمكن لودريان من تحصيله من تعديلات على هذه المعادلة من دون أن يعني ذلك معارضة الخماسي للمبادرة الفرنسية الجديدة، إذ إن ما جرت محاولة تظهيره في الاجتماع الاخير للخماسي في باريس من نقاط التقاء وحزم في الوصول الى نتائج في المدى القريب جداً أي قبل موعد نهاية ولاية حاكم المصرف المركزي وبداية الصيف لا يبدو أنه نجح. وهذا يعد فشلاً ذريعاً لها في الواقع بما فيه فشل لواشنطن بالذات التي عوّلت على نهاية قريبة للأزمة ودفعت في اتجاه ذلك، ولو أنها ليست في الواجهة فعلاً. واعتقد المجتمعون آنذاك بأنهم يمكن أن يمارسوا ضغوطاً على المسؤولين مع الإقرار بأن الضغط الخارجي لن يكون كافياً وحده ولا بد من ملاقاته في ضغوط داخلية أيضاً على خلفية أن الستاتيكو القائم غير مقبول ولا يحتمل البلد استنزافاً مماثلاً لما عاشه لمدة عامين ونصف عام من أجل انتخاب رئيس للجمهورية. ولذلك اتفقوا بناءً على ذلك على أنه ستكون هناك انعكاسات سلبية على المعرقلين لعملية الانتخاب. وهذا لم يحصل حتى الآن على رغم التهديد به فيما التطورات الداخلية، لأسباب غير مفهومة كلياً، تشهد تكيفاً على مستوى رد فعل اللبنانيين بحيث غابت الضغوط الداخلية التي كان يعوّل عليها من أجل إقناع القوى السياسية بإنهاء الشغور الرئاسي.
ولا يملك أحد حتى الآن معلومات من أين سينطلق تحرك لودريان أي من تصفير العداد الرئاسي والعودة الى النقطة صفر على خلفية الرفض المتبادل للمرشحين اللذين سيتواجه بهما الثنائي الشيعي في جلسة 14 حزيران في مقابل القوى الأخرى أم انه، فيما ظهر العجز الفرنسي عن إقناع القوى السياسية بسليمان فرنجية، سيسعى الى إقناع الثنائي بجهاد أزعور. فالدول المؤثرة تعرف الأخير جيداً وهو يملك المقومات التي يمكن أن توحي للبنانيين بالأمل بإخراج لبنان من الانهيار وبالقدرة على إدارة خطة اقتصادية مقبولة نتيجة معرفته كيف يمكن التعامل مع صندوق النقد الدولي وما يمكن تطبيقه في لبنان من عدمه وهل تؤمن فرنسا صفقة متكاملة يريدها الثنائي فيما رفضت من دول مؤثرة على قاعدة إنجاز الرئاسة أولاً قبل رئاسة الحكومة والتعيينات أو الحصص الاخرى. والسؤال الآخر يتصل بما إن كان المدى مفتوحاً أمام المسعى الفرنسي الجديد، فيما تؤكد الدول المؤثرة أن لبنان لا يحتمل ويزداد انهياراً