الرئيسية / أخبار / عطايا جمال أبو سمهدانة: السيد لم يفارق بيتنا

عطايا جمال أبو سمهدانة: السيد لم يفارق بيتنا

“من ذا الذي يحبّ فلسطين ولا يعرفه”، كانت هذه شهادة الشهيد الأسير سمير القنطار، بمؤسس لجان المقاومة الشعبية جمال أبو سمهدانة. ربما تختصر هذه العبارة ما كرّس القائد حياته لأجله ولم يوفر وسيلة أو صعيدًا للمقاومة. يقول العارفون به، إنه لم يكن يُميّز، هل هو ابن فتح، أم “الجهاد الإسلامي” أم حماس، أم كان “سفيرًا” لحزب الله في فلسطين. وحدها تلك الكوفية الحمراء المعقودة على جبينه وبشرته التي صبغتها الشمس كانتا تعرفان، كانتا ترجمة تلك الثورة بداخل الرجل.

أبو سمهدانة: أعجب بحزب الله كنموذج وصدّره

اتهم كيان الاحتلال الشهيد أبو سمهدانة بكونه “مقاول عمليات لحزب الله في غزّة”، لكثرة ما برز هذا الحزب في فكره وكلامه وسلوكه. عن ذاك الإعجاب الكبير، تحدّث نجل القائد، عطايا جمال أبو سمهدانة في مقابلة خاصة مع موقع “الخنادق”.

“أذكر في بيتنا في رفح (جنوب قطاع غزّة) أن والدي علّق صورة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. أتذكر جيدًا أنّ ضيوفه كانوا يسألونه: من هو هذا السيد؟ يجيب والدي عن السؤال ويقدّمه كنموذج. ولم يوفر أيضًا مقابلة، أو عملاً، أو مناسبةً لم يصدر فيها أبو سمهدانة حزب الله كنموذج، على مستوى الجهاد، على مستوى الإدارة…”

الطفلة منار تيمننًا بقناة “المنار” اللبنانية

وتابع ” منذ صغري كان والدي لا يفتح التلفاز الا على قناة المنار. وحين كان والدي معتقلًا لدى السلطة في التسعينيات بسبب مشاركته مع الجهاد الإسلامي في العديد من العمليات الاستشهادية، رزق عمي (أخ الشهيد) بمولودة، فذهب الى والدي في السجن ليقترح عليه تسميتها، فقال الشهيد أبو عطايا سمّها منار تمينًا بقناة المنار”. ولفت “عطايا” الى أنّ ابنة عمّه لا تزال على قيد الحياة اليوم.

لجان المقاومة الشعبية: محاكاة لحزب الله

مطلع الانتفاضة الشعبية عام 2000، وبعد سجّل طويل من العمل المقاوم قبلها في صفوف فصائل أخرى أو بالتنسيق معها، أسس أبو سمهدانة تنظيمه الذي أراد أن يكون تجسيدًا لنظريته في الساحة الفلسطينية: “لبِدُو يْطُخ على إسرائيل يِجي”، دون قيد أو شرط، أو محددات أيديولوجية، أو هدف سياسي.

لكنّ اللافت أن الشهيد صمّم شعار لجان المقاومة الشعبية كنسخة عن شعار حزب الله، قال “عطايا”، ليضيف أنّ “ذلك سبب أرقًا لمؤسسات الاحتلال الذي ثبت لديه أن ترابطًا معينًا كان بين الحزبين المقاومين”. فيما لم يكن في ذهن القائد المؤسس الا نقل تجربة المقاومة وعملياتها في الجنوب الى الساحة الفلسطينية، في اقتحام المواقع، ونصب الكمائن، وغيره…

شعار لجان المقاومة الشعبية

أشار “عطايا” ان والده كان يرى “في انتصار المقاومة في لبنان وتحريرها الجنوب، الأمل وقد نفض انتصارها عن قلوبنا غبار الهزيمة العربية، ومنحنا شعور بأننا قادرون على المضي أكثر بالمقاومة في فلسطين”.

تميزت اللجان بأنها حالة ثورية عسكرية جهادية نهضت بأضعف المقدرات أو في ظل انعدامها، وشدّد “عطايا” أن والده سخّر مدخوله الشخصي، ميراثه، ذهب زوجته الخاص، عائلته الممتدة وعشيرته المنتشرة بين مصر والأردن، علاقاته، أصدقائه من أجل تأمين المال. وما ساعد الشهيد على المُضي في أهدافه الجهادية، كانت الدائرة الأولى والضيقة التي آمنت وكانت الى جانب القائد أبو سمهدانة في عمله العسكري، كانت مخلصة ومتميّزة، من أمثال الشهداء: عوض النيرب، زهير القيسي، عماد حمّاد، عبد الكريم القوقا…وغيرهم”.

الشهيد جمال ابو سمهدانة مع مجاهدي ألوية الناصر صلاح الدين

وأضاف “ثمّ إنّ اغتيال المؤسس منح اللجان مصداقية بين الجماهير التي توافدت الى جنازة هذا القائد، وتصدى العديد من كوادر اللجان الذين استشهدوا فيما بعد لملأ الفراغ الكبير الذي تركه أبو عطايا.”.

يُسجل في تاريخ ألوية الناصر صلاح الدين عملية إبداعية عرفت بـ “كمين العلم” عام 2018، جاءت مختلفة من حيث أثرها المعنوي الكبير في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني، وفي تطور القدرات والعقلية العسكرية للجان، كما شكّلت ضربة للاحتلال.

تجاوز الازمات الداخلية: دروس استلهمها أبو سمهدانة من حزب الله

درس الشهيد القائد أبو سمهدانة تجربة حزب الله على مختلف الأصعدة، فاستلهم منه الدروس أيضًا لناحية إدارة العلاقة مع كل أطراف وفصائل الشعب الفلسطيني. وهو ما قاله الشهيد في إحدى مقابلاته التلفزيونية: “لنا علاقة طيبة مع كلّ الفصائل، ونموذجنا في ذلك هو حزب الله، فله نظرته ودوره في إدارة الأزمات داخل لبنان، وابتعاده عن الفتن الداخلية”.

فالعقلية الفذة التي تميّز بها هذا القائد، لم تنحصر في المجال العسكري إنما بوعيه الوطني، وتجرّده من النفس الطائفي والتقسيمي، ما سمح للشهيد بتجاوز الأطر التنظيمية والفصائلية بهدف العمل من أجل فلسطين، فكان الى جانب الجميع، تاركًا بصمته الفريدة.

أبو سمهدانة وفتح: عمل مع الحاج عماد ونقل خبرات في الضفة

لابدّ قبل الحديث عن تفاصيل تأثير في فتح، أن نشدّد على أن القائد أبو سمهدانة قد ربطه خيط عمل مع القائد الجهادي الكبير في حزب الله عماد مغنية. في هذا الإطار قال نجل الشهيد “عطايا”: “أخبرنا أسير محرر، قدم الينا بعد استشهاد والدنا في حديث عن الحاج عماد، أنّ الأخير صديق والدنا. سألناه عن الموضوع، فشرح الأسير أنّ أبو سمهدانة قد أخبره ذات مرّة أنه عرف مغنية حين عمل مع فتح في الملف الأمني”.

بعد توقيعها “أوسلو” لم تسع حركة فتح وخياراتها، الشهيد الذي قال يومًا أمام عدسات الكاميرات “يجب التمسك بخيار القتال والمقاومة، يجب التمسّك بسلاح الشهداء الذين قضوا على ثرى هذا الوطن، من أجل تحقيق أهداف شعبنا، الحرية والتحرير والعودة”. على الرغم من أنّ القائد كان منخرطًا في صفوفها، بل لفت “عطايا” الى أنّ “كل عائلتنا فتح”، وقد وظّف أبو سمهدانة ذلك في خدمة المقاومة.

كان الشهيد “أبو عطايا” رافضًا لسياسات الرئيس الراحل ياسر عرافات، وللأمر الواقع الذي أراد الاحتلال فرضه في فلسطين المحتلّة. وقد كان أوّل من نظّم المظاهرات الشعبية المنددة بـ “أوسلو”. لكنه، واقتداءً بحزب الله وحفاظًا على وحدة الشعب الفلسطيني ومكوناته، “كان يرفض إهانة أو تجريج أبو عمّار أو كوادر السلطة، منعًا من أن تتحوّل المواجهة الى الشارع الفلسطيني بدلًا عن الاحتلال، على الرغم مما تعرّض له في سجون السلطة”، حسب ما ذكر نجله.

كذلك لم يملّ يومًا القائد أبو سمهدانة من استمالة عناصر فتح وإعادتهم الى مربع القتال المسلّح. روى “عطايا” أنّ “القائد أبو سمهدانة كان يستفيد من بعض رجال السلطة وعناصر فتح الذين بقي بداخلهم النفس المقاوم، لنقل الخبرات الى الضفة الغربية، اذ كان هؤلاء العناصر يتنقلون بأريحية بين غزّة والضفة. الى جانب تجنيده لشباب يدربهم ثّم ينتقلون الى الضفة ليُدَربّوا بدورهم شبابًا آخرين هناك”.

العلاقة مع حماس

في فترة التسعينيات، كان الشهيد ابو سمهدانة على صلة بمحمد الضيف، والشهيد يحيى عيّاش، والقائد محمد السنوار، والدكتور إبراهيم المقادمة، وكان يشارك في تأمينه سواء من دورات السلطة أو من الاحتلال. وشارك مع الخلايا العسكرية الأولى لحماس بتأمين الذخيرة والمعلومات الاستخباراتية. ساعدت العلاقات الكبيرة للشهيد في حركة فتح والسلطة، على فتح أبواب الاتصال بين حماس وفتح. هذا الاتصال أثمر عمليات مشتركة بين الحركتين، وكان له وقعه في مرحلة الانتفاضة الثانية.

في الذكرى الـ 16 على استشهاده أكّد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أنّ “القائد أبو سمهدانة كان عابرًا للحزبية وحواجز التنظيمات والفصائل، واستطاع أن يشكل من خلال بيته حمايةً ومأوى لقادة من المقاومة والقسام، لافتا إلى أنه من الذين رسخوا الوحدة الميدانية والقتالية والوطنية، بخلفيته السابقة التنظيمية بحركة فتح وحضوره الكبير والعظيم على مسرح المقاومة”.

العلاقة مع الجهاد الإسلامي

عمل الشهيد أبو سمهدانة مع بعض مجموعات للقوى الإسلامية المجاهدة، “قسم”، الجهاز العسكري الأوّل لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. وكان خلال تواجده في الجزائر عام 1993 قد التقى بالمؤسس الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي.

جمعت الشهيد أبو سمهدانة علاقة وطيدة، سواء على المستوى العملي أو الشخصي، مع الشهيد القائد في سرايا القدس محمد الشيخ خليل، ونفذا سويًا العديد من العمليات المشتركة من كمائن، إطلاق النار أو اقتحام مستوطنات. أمّا على المستوى الشخصي، قال عطايا: إنّ والدي كان لا يأكل الا ليشاركه الشهيد محمد الشيخ خليل والآخر كان يبادله ذلك أيضًا، فكثرت بينهم الزيارات العائلية”.

كما أشار “عطايا” أنّ والده عمل مع الجهاد الإسلامي أمنيًا في التسعينيات، وشارك بمستوى معين بالعمليات الاستشهادية. جمعت صورة القائد أبو سمهدانة، مع الشهيد في سرايا القدس الذي اغتاله الاحتلال خلال معركة ثأر الأحرار، احمد أبو دقة. اذ عمل الشهيدان مع بعضهما، وكانت الصورة في إحدى المواقع للتجهيز لعملية استشهادية.

الشهيدين جمال ابو سمهدانة وأحمد أبو دقة

أبو سمهدانة في عيون عدوّه

واحدة من المؤشرات الدالة على الخطر الذي شعر به الاحتلال جراء عمل وجهاد القائد أبو سمهدانة، كانت المهمة التي كّلّف بها ضابط استخبارات “إسرائيلي”، هو العقيد اروي هلبيرن. قال “هلبيرن” خلال حديث مع “إذاعة 103” العبرية إنّ أوّل مهمّة كلّفه بها، يوآف غالانت (وزير الحرب الحالي) بعد توليه قيادة الجبهة الجنوبية بجيش الاحتلال، هي تأمين معلومات استخباراتية لتنفيذ عملية خاصة تستهدف جمال أبو سمهدانة وقيادة لجان المقاومة الشعبية. وذلك “انتقامًا لعملية أدت لمقتل خمسة اسرائيليين عام 2004 في كسوفيم”. فيما قال الشهيد “أبو عطايا”، ذات مرّة “أنا، يشرّفني أن أكون عدوّاً للاحتلال الإسرائيلي”.

كسر حاجز “الأمر الواقع” الذي كان مخطط أن يفرض في فلسطين المحتلّة، ونقل المواجهة من الحجر الى الرصاص رغم معرفته بحجم التضحيات وما سيتعرّض له، إمداد غزّة والضفة، وتهشيم صورة “مركافا” الاحتلال التي كان أوّل من دمّرها، الى جانب تجاوزه كلّ الأطر التنظيمية والفصائلية. كلّ ذلك جمع للقائد الشهيد جمال أبو سمهدانة جنازة “ربما لم يُشهد لها مثيل في رفح حيث حضر الكلّ الفلسطيني لأنه لهم” – حسب نجله “عطايا” – في الثامن من شهر حزيران / يونيو عام 2006 حين اغتالته طائرات الاحتلال وهو على رأس عمله الجهادي في إحدى مواقع ألوية الناصر صلاح الدين.

الكاتب: مروة ناصر

شاهد أيضاً

عناوين الصّحف الصادرة اليوم السبت 18/05/2024

النهار -توظيف سياسي وتصعيد ميداني يحاصران “الخماسية -تدشين الرصيف الأميركي و”حماس” مستعدة لمعركة استنزاف -قبرص …

الاشترك بخدمة الخبر العاجل