بدأت ترتسم معالم الجولة القادمة للاستحقاق الرئاسي أكثر فأكثر، فبعد إعلان 32 نائبًا دعمهم لترشيح وزير المال السابق جهاد أزعور للرئاسة بمواجهة المرشح الوطني سليمان فرنجية، إنطلقت “البوانتاجات” والحسابات، ومعها رسم السيناريوهات لما ستكون عليه نتائج الجلسة الثانية عشر لانتخاب الرئيس يوم الأربعاء القادم.
أمام ذلك، وبظل المعطيات الأولية قبل أسبوع واحد يفصلنا عن موعد الجلسة، يبدو أن المشهد الرئاسي، استقر وإنحصر بين مرشح جدي ووطني منفتح على كافة الأطياف وهو رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ومرشح تقاطع الأضداد والمتناقضات، فرضه تحالف الضرورة المصلحية، بين من إجتمعوا على ترشيح أزعور على قاعدة الإطاحة بفرنجية ومنعه من الوصول الى كرسي قصر بعبدا .
تجمع الأضداد هذا أتى بخلفية سلبية غير بناءة، وليس على اساس استراتيجية أو برنامج إصلاحي موحد، ما يطرح تساؤلات جوهرية منها: كيف يمكن مقاربة هكذا إستحقاق بمثل هذه الخفة اللامتناهية؟!، وهل مثل هذه المقاربة تبني وطنًا أو تحل أزمات لبنان العالقة؟!، أليس من شأن ذلك أن يطيل أمد الفراغ الرئاسي، ويعقد المشهد السياسي بدلاً من حله؟ ثم هل يكفي مجرد التقاطع على تبديل أسماء في فصل جديد من مسرحية هزلية عرضت إحدى عشر مرة في جلسات إنتخابية سابقة، أي طرح ورقة أزعور بدلاً من ورقة ميشال معوض التي باتت محروقة؟!، ألا يظهر ذلك كله صحة كلام سابق لرئيس مجلس النواب نبيه بري وصف فيه ترشيح معوض بـ”التجربة الأنبوبية”، وألا يعني تكراراً للتجربة بنسخة “أزعورية” محدثة! فمن يضمن أن تخرج الجلسة الثانية عشر بانتخاب رئيس للبلاد، وألا تخرج عن سياق النتائج التي أتت بها سابقاتها، وإن مع تغيير شكلي طفيف تحمل فيه الأوراق اسم أزعور بدلاً عن معوض، يقابلها التصويت لفرنجية بدل الأوراق البيضاء -كما أكد على ذلك الرئيس بري-، وتوزع التغييريين والمستقلين بين أوراق بيضاء وخيارات أخرى متعددة؟
تقاطع الأضداد هذا بهدف سحب بساط التمثيل المسيحي عن رئيس تيار “المردة”، أوقع المتقاطعين في فخ تطييف ومذهبة الاستحقاق الرئاسي، خلافًا للدستور الذي أحاط هذا الموقع بأبعاد وطنية وسيادية عليا، لا يصح إدخاله بزواريب وحسابات آنية ضيقة، فموقع رئيس الجمهورية هو الرئاسة الأولى أي أعلى مرتبة في الدولة، من واجب من يشغلها أن يكون مترفعًا عن كل الترهات الصغيرة، كونه رمزًا للوحدة الوطنية والعيش المشترك وهو المؤتمن على الدستور وعلى سيادة لبنان، فكل صلاحياته سيادية ذات أبعاد وطنية.
تطييف الاستحقاق الرئاسي حوّل أزعور مباشرة مرشح تحدي حتى قبل أن يخوض الاستحقاق، فهو محسوب على فريق معروف بمعظمه بعدائه ومناهضته للمقاومة، حتى أن تركيبة ال 32 نائبًا الذين أعلنوا عن دعمه، هم ليسوا سوى نواب مسيحيين من كتل “القوات” و”الكتائب” مع بعض الأسماء المسيحية الاخرى، وثلاثة الى أربعة نواب من الطائفة السنية. وهذا ما يفضي مباشرة الى إحراق ورقة أزعور مبكرًا، فكيف به يخوض استحقاقاً يضعه بموقع تحدي مع شريحة كبيرة من اللبنانين، ثم كيف يقبل أن يكون مجرد حجر على رقعة شطرنج رئاسية، يتلاعب بترشيحها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع يمنة ويسرة، بانتظار أن يأتي الظرف المناسب، أو كلمة السر الرئاسية فيقال له “كش ملك”، كما قيل لمعوض من قبله.
ولعل التقاطع المرحلي للأحزاب المسيحية على اسم أزعور، من منطلقات واعتبارات سلبية، أنساهم اعتبارات رئيسية أكثر أهمية، إذ كيف يوفق هذا الفريق بين رفضه لفرنجية رئيسًا بحجة أنه جزء من المنظومة الحاكمة للبنان في الحقبة السابقة، ويتجاهلون في الوقت ذاته أن أزعور هو أحد أبرز أركان المنظومة، إذ يكفي أنه أحد أعمدة مغارة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والاربعين حرامي في وزارة المالية على مدى سنوات طوال، وأنه تسلم وزارة المال في عهد حكومة الأخير بين 2005 و2008، الذي شهد اختفاء 11 مليار دولار، وهبات ومساعدات حرب تموز 2006، ثم أين الاصلاح والتغيير الذي لطالما رفعه نواب تكتل “لبنان القوي”، وأين الإبراء المستحيل الذي نادوا به؟!. ثم كيف يصح أن يعتبر فرنجية من المنظومة ومن خان أمانة أموال البلد من خارجها، وكيف يمكن أن يؤتمن هكذا شخص على البلد والدستور والسيادة، وما الذي يمنعه وهو الموظف حاليًا بصندوق النقد الدولي، للرضوخ للضغوط والاملاءات الاميركية، وبالتالي إدخال البلاد في متاهات بغني عنها.
هذا الشرخ العامودي الطائفي يواجه في الدفة المقابلة بمرشح يتجذر من بيت سياسي ورئاسي عريق، وزعامة وطنية تاريخية عمرها يفوق النصف قرن، بدأت مع سليمان فرنجية الجد منذ ستينات القرن الماضي، ويستكملها فرنجية الحفيد اليوم منطلقًا بترشيحه من تأييد شريحة وطنية واسعة وصوله الى قصر بعبدا، إذا ما دقت ساعة الصفر..، أما العودة للعب بالاصطفافات الطائفية والمذهبية في استحقاق رئاسي بهذا الحجم من شأنه أن يعيد لبنان نصف قرن الى الخلف، ويتسبب بتمزيق البلد وشرخه الى شقين، اسلامي مسيحي.
في الخلاصة، فإن معيار ترشيح ودعم الوزير أزعور على أساس طائفي لا وطني، او برنامج كيدي هدفه إبعاد فرنجية عن الرئاسة فقط، من شأنه أن يعطل الاستحقاق الرئاسي ويطيل الفراغ الى أمد بعيد.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: علي عوباني