كتبت النهار
من الغريب تماماً أن تتدهور حالة الديموقراطية في لبنان على النحو الحاصل الآن بحيث يغدو الاستحقاق الرئاسي المعلق على أزمة يصوّرها أبطال الطبقة السياسية بأنها وجودية محاصراً بين أسوأ مفهومين هجينين لم يسبق للبنان أن عايش مثيلهما في كل الأزمات الرئاسية سابقاً. فنحن إما أمام “جلسات هزلية” على النحو الذي راج وساد طوال الانعقاد المتعاقب للجلسات الـ11 السابقة لمجلس النواب، وإما أمام جلسة “تفجير لبنان” كما يكادون يصورون الجلسة الـ12 المقبلة، “إن” عُقدت. ولا ترانا في حاجة الى تبحّر في درس هذه الظاهرة التي تعكس انزلاق لبنان الى أخطر ما يمكن تصوّره من مستويات الخطورة للنظام والأصول بمعنى تكريس ما لم يعد يشكل خصوصية ديموقراطية إلا في القشور الشكلية والصورية التي باتت بدورها مهدّدة بالسحق تحت وطأة مواجهة أطاحت كل معايير المنافسة الطبيعية ولا نقول المثالية إطلاقاً. فأن يوضع اللبنانيون أمام واقع التخويف والتهويل من محطة انتخابية يُفترض أن تكون محطة إنقاذية فعلاً بمعايير وضع حدّ لثمانية أشهر من الشغور الرئاسي وتداعياته الآخذة في إغراق لبنان في عزلة عن العالم والتطور والسعي الجاد لاستدراك نهايته الدراماتيكية بفعل أخطار الأزمات الانهيارية التي تدك كينونته من أساسها، حينذاك سندرك بقوة “ترهيبية” أن نهاية الديموقراطية لم تعد مجرد كابوس ذعر ينتاب اللبنانيين لفرط ما صاروا متوجّسين بتضخيم العوارض المرضية بل هو الأسوأ إطلاقاً أي الحقيقة ولا شيء يخيف أكثر منها.
لا ندري والحال هذه كم يجدي بعد التوجه الى طبقة سياسية أفلت تماماً زمام التحكم بمعايير الأصول الديموقراطية من يدها والرهان على بقايا البقايا من قدرتها الذاتية على إعادة تصويب هذا الجنون المتحكم بتعميم التخويف من الديموقراطية. انبرى الفريق الذي اعتاد وأدمن فرض الظروف القسرية على مجمل البلاد في مجمل استحقاقاتها، الى شيطنة القواعد البديهية الطبيعية للأصول الديموقراطية بدءاً بالتنافس البديهي بين المرشحين للرئاسة، فنجح أيّما نجاح، في إشاعة المناخات المحملة بالتوتر والاضطراب والشحن والتعبئة عشية واقعة انتخابية صارت الآن بمثابة عد عكسي لشيء متفجر آتٍ ينذر بالويل والثبور إذا تبدّلت معايير المعركة لمصلحة المرشح الخصم. والحال أنه يغدو عبثياً الإغراق في تصورات مسبقة عما يمكن أن يحصل في هذا الأربعاء “الواعد” الذي يكاد ضجيج التهويل يحوّله الى يوم يشوع بن نون الذي أمر قرص الشمس بالتوقف في عز الظهيرة وحوّل انتصاره الى أطول يوم في التاريخ. ذلك أن النتائج المختبئة في طوايا هذا اليوم الأغر، مهما كانت وأياً تكن والى أي مسار ستؤدي بلبنان، لن تكفل طمس “النجاح” الذي حققه غلاة محترفي التهويل بجعل موعد استحقاق ديموقراطي يتحول في مناخ توتر طائفي وانقسامي وشحن إعلامي مسموم بهذا المستوى العنيف الى ما يشبه إشعال أقسى المعارك الحربية ولو من دون مدافع ورشاشات وقتال شوارع! ولعلنا لن نتمادى في سذاجتنا بالسؤال عما تركه هذا المناخ المشحون للتركيز على الأهم في معاينة ومقاربة معايير الخيارات الأفضل لإنقاذ لبنان بمعاينة خصائص المرشحين الحصريين الآن أو المرشحين البدائل المطروحين أو المفترضين الآخرين. فأي استحقاق بقي من الاستحقاق ما دامت المعركة الطاحنة بين القوى اللبنانية جرفت أولاً وأخيراً النظام والأصول البديهية للديموقراطية وها هي تنذرنا بإعادتنا الى الاحتراب!