نقولا ناصيف – الأخبار
الدورة الاولى هي المثلى، لكنها ليست الاهم. ما لم يُنتخب الرئيس بغالبية الثلثين فهو فائز بالغالبية المطلقة في الدورة الثانية او التي تليها. مغزى الدورة الاولى التنافس او الاجماع، ومغزى الدورة الثانية فوز الأقوى. هذه المرة القاعدة مقلوبة. الدورة الاولى هي الاهم لأن لا رئيس بعدها.
جزم النائب السابق سليمان فرنجية بما ينتظر جلسة 14 حزيران لانتخاب الرئيس: اولاً بانعقادها واستبعاد تعطيل نصاب التئامها، وثانياً بتمسكه بترشحه في الجلسة وتصويت حلفائه له والاحتكام الى نتائج اقتراع الدورة الاولى، وثالثاً بأن لا رئيس منتخباً ينبثق من الجلسة الثانية عشرة.
نبرة فرنجية مساء امس أوحت بجرعة قوة وتفاؤل يتحضّر بهما لجلسة الاربعاء، مقللاً قلقه من نتائج تصويت الدورة الاولى ما دامت ستقتصر عليها وحدها. بعدها يتفرّق النواب بالطريقة المعتادة: تعذّر وجود 86 نائباً في القاعة لمباشرة اقتراع الدورة الثانية. بذلك تنتهي جلسة 14 حزيران كالتي سبقتها في 19 كانون الثاني الفائت واللواتي سبقتها منذ الاولى في 29 ايلول المنصرم عديمة الجدوى. مع ذلك، مقترناً باصراره على الترشح، لمّح فرنجية الى مفاجآة في الارقام المتداولة سلفاً. بيد ان المفاجأة ليست اكيدة. في ظاهر المنتظر وجود مرشحيْن اثنين فقط. الا ان الورقة البيضاء – لأن الجلسة محكوم عليها سلفاً بالفشل – ستكون كالسابق ثالثة المرشحين.
اكثر من بوانتاج اجري، عند الافرقاء جميعاً، انتهت كلها قبل 48 ساعة من موعد الجلسة الى الجزم بأن ما سيحوزه أزعور يتقدم الأصوات المتوقعة لفرنجية. وصل بعض الحسابات الى تقدير حجميْ المرشحيْن بحصول أزعور على 61 صوتاً حداً اقصى وفرنجية على ما بين 48 الى 53 صوتاً. مؤشر كهذا – اذا صحت جديته – يؤذن سلفاً او يكاد بسقوط المنافسة. اما الباقون الموزّعون على تغييريين ومستقلين المرجح عددهم بين 14 و19 نائباً فمنقسمون على ذواتهم. قاسمهم المشترك رفض التصويت لفرنجية، الا ان ما يفرقهم استعداد بعضهم للذهاب الى خيار الوزير السابق جهاد أزعور وبعض آخر الى اسم ثالث.
بذلك تُقارَب جلسة الاربعاء بين منطقين مختلفين: احدهما اعتقاد فرنجية في ضوء كلامه امس بأن معركته الفعلية في الدورة الثانية عندما يحين اوانها. اما المنطق الآخر المعاكس فيقول بخوض المعارضة المسيحية الجلسة على انها معركة بوانتاج تمهد للفوز بمعركة الانتخاب، وتريد في هذه الجلسة بالذات تسجيل انتصارها على حزب الله قبل اي أحد آخر، بما في ذلك مرشحه الزعيم الزغرتاوي.
ثمة عوامل اضافية تُلحق بجلسة الاربعاء:
1 – بات متفقاً عليه، شبه نهائي، ان انعقادها يقتضي ان يدور من حول مرشحيْن اثنين فقط هما فرنجية وازعور. كان تردد تفاهم أبرمه رافضو كِليْ المرشحيْن يقضي بتصويتهم للوزير السابق زياد بارود على انه ثالث الخيارات، ما لبث ان خابرهم طالباً منهم عدم الاقتراع له في الجلسة. لم يُرد ان يكون مرشحاً افتراضياً اضافياً في منازلة تقتصر على متنافسيْن. كَمَنَ رفضه ايضاً في اظهاره كأنه ينتزع اصوات الفوز من ازعور ويتسبب في خسارته. لا يريد ان يكون على طرف نقيض من المعارضة المسيحية وبين أفرقائها كالتيار الوطني الحر مَن يفضّله مرشح التسوية في مرحلة مأمولة هي ما بعد سقوط المرشحيْن الحاليين.
2 – أعيدت لملمة البيت الداخلي للتيار الوطني الحر بتدخل مباشر من الرئيس ميشال عون. الى الآن على الاقل، الاربعة المحسوب انهم متمردون على قرار رئيس التيار النائب جبران باسيل بعدم التصويت لازعور، أرجعهم الرئيس السابق الى بيت الطاعة. استدعاهم واحداً تلو آخر وأفهمهم بأنهم مدينون بنيابتهم للتيار. بينهم مَن لا يصلح ان يكون مختاراً حتى. انتهى المطاف بانتظامهم ما خلا النائب الياس بو صعب المتفلّت حتى اللحظة من الانضباط والتزام قرار باسيل. مؤدّى ذلك تعزيز حظوظ ازعور بالوصول الى رقم قياسي كان يصعب توقعه قبل اسبوع على الاقل ويقترب من النصف زائداً واحداً.
عون أعاد الاربعة العاصين إلى بيت الطاعة
3 – أضحى من باب لزوم ما لا يلزم التأكيد ان الحقائق الداخلية المطبقة على الاستحقاق لا تقل تأثيراً عن الحقائق الخارجية المتمثلة بالادوار المتفاوتة للاعبين الاقليميين والدوليين كالولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر وايران. احدى ابرز الحقائق الداخلية الصلبة التي افضت الى المعطيات الممهدة لجلسة 14 حزيران، ان ازعور – الذي يُنظر اليه كأنه ذراع اميركية ضد حزب الله – كان الوحيد الذي امكن تقاطع باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عليه. يعرف الاثنان تمام المعرفة ان انتخاب فرنجية رئيساً سيحيلهما كيسيْن سياسييْن. لكل حجته مع ان قاسمهما المشترك الآخر هو العداء الشخصي والسياسي لفرنجية. في حسبان باسيل انه استدرج جعجع الى المرشح الذي كان سبّاقاً الى تسميته وهو ازعور. في المقابل في حسبان رئيس حزب القوات اللبنانية انه استدرج رئيس التيار الوطني الحر الى المواجهة مع حزب الله وليس الاكتفاء بتفكك تحالفهما. بينما يريد جعجع كسر حزب الله واسقاط مرشحه في آن، يفضّل باسيل اسقاط المرشح دونما كسر الحزب.
اما ما لا يمكن اهماله او تجاهله بإزاء الفريقين المتقاطعيْن، باسيل وجعجع، فهو ان ما بينهما من بغض وكراهية لا يقل عما يضمرانه لفرنجية ان لم يكن اكثر، ويُسر كل منهما الوصول الى يوم يتوقع فيه التخلص من الآخر نهائياً وكلياً.
واقع ما بات عليه الاستحقاق، في معزل عن وجهتيْ النظر هاتين، الدخول جهاراً وفي ضوء النهار في صدام مع حزب الله غير مسبوق في اي وقت مضى. ما لم يُتَح للمعارضة المسيحية الدخول طرفاً فيه في 7 ايار 2008 في مشكلة اضحت فتنة شيعية – سنّية ثم شيعية – درزية، صار متاحاً اليوم في مواجهة غير خافية هويتها على رئاسة الجمهورية، الموقع المعني به المسيحيون قبل اي طرف آخر. ما غدا طبيعياً ان الصدام الجديد هذا مستمر.
في صلب المواجهة الحالية، بعدما أخرج السنّة انفسهم من الاصطفاف فيها بكليتهم وإن هم مشتتون على الكتل، واختار وليد جنبلاط الوقوف وراء خيار نجله النائب تيمور لا تقدّمه عليه بالاصرار على الاقتراع لازعور – وهما متفقان سلفاً على رفض انتخاب فرنجية كل لاسباب مختلفة عن الآخر – لا مفر من الاعتقاد بمؤدى المواجهة هذه الى خيارات صعبة ومكلفة لكليْ الطرفين: ايهما يلوي ذراع الآخر ويصرخ اولاً.