كتبت النهار
يغدو إنعاش الآمال في كل مرة تنعقد فيها الهيئة العامة لمجلس نواب انتُخب بمقاييس نسبية عرجاء ومنتقاة على معايير ساهمت في تشويه الديموقراطية اللبنانية اكثر مما رفدتها بعوامل الرسوخ والاستقرار التشريعي، أشبه بتخدير عرضي لا يستقيم سوى لحظات. اليوم، ستكون هناك جرعة لاعادة توازن مفقود في ميزان قوى نيابي كان مختلا الى ان قدمت المعارضة والتيار العوني جهاد ازعور مرشحا وذلك من خلال تطور نادر نبّه الشركاء – الخصوم الى ان تجاوز الخطوط الحمر في الاستقواء والفرض الأحادي يستدرج غالبا جبهات طائفية عريضة ولو ان الاستحقاق الرئاسي يفترض ان يسير في منحى دستوري قويم لا تخترقه جبهات دينية ومذهبية. ولعله من غير المنصف ألا يبرز الدور المهم والموقف العابر للفرز الطائفي الذي يضطلع به الفريق الاشتراكي الجنبلاطي الذي جعل التحالف المؤيد لجهاد ازعور متعددا عابرا للون المسيحي وحده الامر الذي يفترض ان يدفع نحو تخفيف وطأة الآتي من “مخططات” استثمار مناخ الفرز الذي يعيد البلاد الى متاهات استدراج المزيد من الازمات والفراغات بذرائع مفبركة تتيح الإغراق في الفراغ الرئاسي.
والحال انه أيا تكن نتائج الجلسة الـ12 الانتخابية اليوم، فهي جلسة إعادة رسم التوازن السياسي والنيابي الذي كان سيحصل يوما مهما طالت الازمة لان الخروج الطويل عن سكة المعايير الدستورية كما حصل في الأشهر الثمانية العابرة من الازمة لن يفضي إلا الى ردة فعل من النوع الذي دفع جهات مختلفة الى التوحد فقط على ترشيح جهاد ازعور. حتى اللحظة لا يعترف، ولن يعترف، الفريق الداعم لسليمان فرنجية، بأنه “مفضل” بنسبة ساحقة على خصومه الاصيلين والجدد في توفير الظروف القاهرة لما سمّوه “التقاطع” على ترشيح ازعور وحتى لو كانوا تقاطعوا على اسم سواه. ومن أسف شديد، كما من خشية كبيرة، ان استدراج الخصوم الى اصطفاف “مسيحي” عريض بالدلالات التي تستعاد معها صورة خطيرة كاصطفاف شيعي مزدان بعدد من السنّة وقلة مسيحية واصطفاف مسيحي مزدان بعدد من الدروز وقلة من السنّة، كل هذا سيدفعنا في اللحظة التي يطير فيها نصاب الجلسة المتوهجة اليوم ألا نسأل وليس ان نسأل: ماذا عن الغد وماذا عن اليوم التالي؟ ذلك ان اليوم التالي سيكون بمعايير الازمة الوطنية ومعايير النظام الدستوري ومعايير الواقع الذي يعيشه اللبنانيون كاليوم السابق الذي سبقه ولا فارق بينهما ما دام تبدل ميزان القوى في صندوق الاقتراع، على أهميته الكبيرة، لن يبدل حرفا في مسار الازمة المفتوحة الى ما شاءت الاقدار الغامضة.
ولو لم يكن هناك مخطط منهجي ثابت يستهدف النظام الدستوري لكانت حُسمت منذ اليوم الأول للمهلة الدستورية قبل شهرين من نهاية العهد العوني مسألة لا تحتاج الى جدال وافتعال هي الجلسات المفتوحة حتى الانتخاب بلا أي تلاعب. ولو كان ثمة نية الآن في وضع نهاية لكارثة متدحرجة ستواكب المرحلة التصعيدية المهرولة بعد الجلسة التي ستقدم جهاد ازعور مرشحا متقدما لفتحت الجلسات بلا انقطاع وليفز من يفز بين فرنجية وازعور او وربما مرشح ثالث مفاجئ يهبط مع فريق “رمادي” او “محايد” بدلا من الأوراق البيضاء او الشعارات او أيا تكن التسمية .
أطاحت الأشهر السابقة من الازمة بحشرية السؤال عن يوم اللبنانيين التالي، ولا نظن ان اليوم سيرمّم هذه الحشرية!