كتبت النهار
على الصعيد المصلحي لم يُخطئ “حزب الله” يوم قرّر التقرّب من “الجنرال” عون العائد من المنفى بتغطية شاملة من سوريا الأسد والحكم اللبناني رغم الصعوبات الجمّة التي واجهتها في لبنان في حينه بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وغضب المجتمع الدولي عليها وإجباره إيّاها على إعادة جيشها المنتشر فيه الى بلاده. ذلك أن عون كان الأقوى مسيحياً في حينه وأن “الحزب” في حاجة شديدة إليه “حليفاً” كي لا يستفرد به أعداؤه الكثيرون على الساحة اللبنانية. وكان هؤلاء مسيحيي “القوات اللبنانية” وحزب “الكتائب” وجهات سياسية أخرى، هلّلوا للانسحاب السوري واعتبروا أن ساعة إضعاف حلفائه في لبنان قد حانت. وكانوا أيضاً سنّة رفيق الحريري وهم الغالبية في طائفته. وكانوا أخيراً دروز الزعيم الأبرز وليد جنبلاط الذين استمروا معه بعد استشهاد والده.
لكن “حزب الله” أخطأ باستغلاله طموحات “الجنرال” عون ورغباته ومصالحه وأبرزها التحوّل الرقم المسيحي الصعب في البلاد ولاحقاً بوصوله الى رئاسة البلاد وأخيراً بتأسيسه “عائلة سياسية” عالمثالثية مسيحية قائمة على الزبائنية والمصالح. حصل ذلك بعد توقيع “تفاهم مار مخايل” في شباط 2006 بعد أشهر طويلة من المفاوضات ثم بعد استغناء عون و”التيار الوطني الحر” الذي أسّس عن “مبادئه الوطنية” التي تضمّنها الكتيّب البرتقالي اللون الذي أصدره بعد مباشرته العمل السياسي في الداخل. وأخطأ “حزب الله” أيضاً بإغداقه المكافآت على تنوّعها على “التيار” رئاسةً ووليّ عهد من سياسية وغير سياسية ومعهما القادة البارزون فيه إذ كشف الجانب المصلحي و”المركنتيلي” عند هؤلاء كلهم الأمر الذي “نقّز” المسيحيين الآخرين ودفعهم الى التساؤل الآتي: هل من أهداف مصلحية لـ”الحزب” الى جانب تحرير الجنوب المحتلّ من إسرائيل الذي هو مصلحة وطنية جامعة؟ وأخطأ “حزب الله” ثالثاً بإصراره بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان على انتخاب “الجنرال” عون رئيساً للجمهورية، إذ أدخل ذلك البلاد في فراغ رئاسي وجمود حكومي رغم الجهود المهمة التي بذلتها حكومة الرئيس تمام سلام لتصريف الأعمال وفقاً للدستور وفي أضيق نطاق ممكن، علماً بأنه كان في إمكانه بعد تخلّي رئيس “القوات” الدكتور سمير جعجع عن ترشّحه للرئاسة الأولى بموافقة حلفائه في 14 آذار، الحصول على رئيس في بعبدا هو حليفه القديم كما حليف سوريا الأقدم سليمان فرنجية الذي يصرّ على ترئيسه للجمهورية اليوم. ولم يكن ذلك مستحيلاً إذ كان فرنجية متمتعاً في حينه بتأييد الرئيس سعد الحريري و”شعبه” وجهات سياسية محلية وازنة مسيحية ومسلمة، كما بتأييد الكرسي الرسولي في الفاتيكان وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وكان أي فرنجية في نظر كثيرين أكثر “موثوقية” من “الجنرال” عون في أكثر من مجال وعلى أكثر من صعيد لكنه أي “حزب الله” لم يفعل، ولم ينقلب عليه فرنجية ويصل الى الرئاسة غصباً عنه، علماً بأن ذلك كان ممكناً في حينه مُظهراً بذلك “أصالته” وتمسّكه بتحالفه الشيعي اللبناني والسوري رغم خسارته وربما لمدة طويلة فرصة الوصول الى قصر بعبدا رئيساً. وها هو الآن يعاني في معركته الرئاسية رغم التأييد التام والقوي له من “حزب الله” وحليفته “أمل” لإيصاله الى بعبدا رئيساً. كما أن “الحزب” وحليفه الرئيس نبيه بري يعانيان معه أيضاً. تكشف هذه المعاناة خطأً رابعاً ارتكبه “الحزب” وهو اقتناعه أو على الأقل اعتقاده بأن الرياح ستظلّ “هابّةً في أشرعته” داخل لبنان، علماً بأن ذلك لا يعني أنه لم يعد الطرف الأقوى فيه في إطار “الثنائية الشيعية” التي يقود، وأنه لا يزال الأقوى عسكرياً في البلاد حتى من مؤسساتها العسكرية والأمنية المتنوّعة كلها، وليس فقط بالعدد والسلاح المتنوّع والتدريب العالي والجهوزية الدائمة بل أيضاً بالدور الإقليمي الذي مارسه بنجاح بين 2011 و2015 أي يوم وفّر الحماية لنظام الأسد ومنع انهياره، علماً بأنه استمر في ممارسة الدور نفسه بعد تدخل روسيا عسكرياً في سوريا لمصلحة الأسد، إذ اعتمد جيشها في حينه على الكادرات العسكرية لـ”الحزب” وأنشأ معها “غرف عمليات مشتركة” ريثما يُنجز النظام السوري إعادة ترتيب قواته العسكرية النظامية التي تضعضع الكثير منها في حينه. أما الخطأ فهو شعوره للمرة الأولى بعد سنوات طويلة من شعور مطلق بالقوة داخلاً وإقليمياً بأن “أعداءه” اللبنانيين المزمنين من المسيحيين أي “القوات والكتائب” وغيرهما بدأوا يشكّلون ضغطاً داخلياً عليه، وبدأوا يعطّلون مشروعه السياسي وتحديداً الرئاسي، وخصوصاً بعدما انضم إليهم “التيار الوطني الحر” الذي فضّله هو أي “حزب الله” على الأطراف المسيحيين الآخرين كما على أطراف كثيرين داخل الشعوب اللبنانية الأخرى، علماً بأن “الوفاء التيّاري” هذا ليس جديداً كي يُفاجأ به “حزب الله”، إذ إن بوادره لاحت خلال ولاية الرئيس ميشال عون أكثر من مرة، ثم ظهرت في وضوح ووصلت الى حدّها بعدما لم يترك “التيار في ضرع الحزب” الى حد الاصطدام به والتنكّر لأفضاله المتنوّعة عليه وللتحالف عفواً التقاطع مع أعدائه في الداخل، والسعي الى استعادة علاقات مع الخارج العربي والإقليمي والدولي الذي كان بعضه يساعده قبل “اهتدائه” على يد “حزب الله”.
ألم يُخطئ “حزب الله” أيضاً عندما “شطّب” على المسيحيين الآخرين، وعندما استمر في تصنيفهم عملاء لإسرائيل وأميركا وعرب الأخيرة؟ أولم يُخطئ كذلك في محاولة اختراق الشارعين السنّي والدرزي بالطريقة نفسها التي استعملها لاختراق الشارع المسيحي؟ هل يمكن أن يخسر “الحزب” أو يضعف في وقت “تتصالح” فيه مؤسّسته إيران الإسلامية مع أعدائها “سابقاً” في العالم العربي والإقليم وربما لاحقاً مع عدوّتها الأولى أميركا؟