كتبت النهار
في 2020 وحين زار الرئيس ايمانويل ماكرون لبنان وجمع رؤساء الاحزاب والتيارات على طاولة مستديرة في قصر الصنوبر وانتقل فجأة من الكلام عن تغيير النظام الى تأليف حكومة متخصصة لمنع المزيد من انهيار البلد، نصح كثيرون المسؤولين الفرنسيين بان انتصار مقاربتهم بتأليف حكومة فحسب لن تكون كافية في ظل الازمة التي كانت عبرت عنها انتفاضة 17 تشرين الاول 2019. كان رد الفعل الفرنسي انذاك على هذه النصائح بان باريس ليس لديها وقت لذلك فيما المطلوب وضع حد سريع لتدهور البلد . نقترب من الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت الذي حرك فرنسا بقوة في اتجاه لبنان فيما ان المقاربة الفرنسية الرئاسية بعد المقاربة الحكومية السابقة منيت بالفشل هي ايضا . ففي غداء اقيم على شرف البطريرك الماروني بشارة الراعي الاحد الماضي، لفت الحضور المستمعين اليه اصراره على نقطتين يعتقد هؤلاء انها كانت جوهر محادثاته مع الرئيس الفرنسي ماكرون ابان زيارته الاخيرة الى باريس في 30 ايار الماضي . النقطة الاولى هي انهم
كانوا يقولون ان المسيحيين عاجزون عن ان يتفقوا على خيار رئاسي وها هم اخيرا اتفقوا وتاليا فما هي حجتهم؟ . والنقطة الثانية هي ما مفاده وهو يخاطب فئة معينة كما نقل عنه قوله واقول لها ليس من حقك ان تفرضي ارادتك على اللبنانيين . هذا الكلام خارج عظة الاحد .
ما يحصل قبيل وصول لودريان الرهان مجددا على حوار بين التيار العوني و”حزب الله” انطلاقا من ان جلسة 14 حزيران ظهرت للطرفين المعنيين ان الاخر في حاجة له اذ لا يملك الحزب شريكا او غطاء مسيحيا فيما ان التيار العوني تهدد بالانقسام والتشرذم في اكثر من اتجاه . ولكن هل يلغي ذلك في حال حصوله ارادة المسيحيين وتاليا اللبنانيين من الطوائف الاخرى التي لم تصوت الى جانب الحزب ولو انها على علاقة طيبة مع سليمان فرنجيه ؟ لن يستطيع لودريان تجاوز ارادة اللبنانيين كما لن يستطيع تجاوز واقع ان الاتفاق السعودي الايراني لا يعني تسليم لبنان لايران او ترجمته في الشق الداخلي اعطاء الحزب اوراق التحكم بالرئاسات الثلاث ولو ان الرئاسة الثالثة يتم السعي الى بيعها الى السعودية لقاء اعطاء الرئاسة الاولى لايران كما كانت لسوريا . لا ينبغي ان يركز لودريان على اسم الرئيس العتيد بمقدار ما يجب تركيزه على تحقيق التفاهم على نقاط اربع اساسية تتدرج بحسب مصادر سياسية وفق الاتي:
ابعاد لبنان عن لعبة المحاور والصراع عليه على هذا الاساس . اذ ان المحاور تتفاهم مع بعضها بما يجعل من هذا الطلب عقلانيا الى حد بعيد . ذهبت ايران ولاسباب واعتبارات خاصة بها واخرى معروفة في اتجاهين تتحدث هي عنهما اي الاتفاق مع المملكة السعودية برعاية صينية والمفاوضات غير المباشرة التي تجريها راهنا مع الولايات المتحدة والتي تكثر طهران في الاسابيع الاخيرة الجديدين شروطهما ونتائجها المحتملة . ستكون ايران ومعها ” حزب الله” في تحدي الاجابة اذا كان محور الممانعة في المنطقة قائما انطلاقا من انه اذا كان في وجه محور اقليمي اخر ، فهو في طور الاندثار واذا كان في وجه الولايات المتحدة ، فان العرس الذي اقامه الايرانيون بعد الاتفاق النووي الذي وقعته ايران مع الرئيس باراك اوباما ونافست فيه السعوديين في علاقتهم مع الولايات المتحدة سرعان ما يقفز الى الاذهان في حال التوصل الى اتفاق او تفاهم نووي موقت او مرحلي. اذ وكما قال احد المسؤولين الايرانيين سمه ما شئت ولكنه سيكون اتفاقا مع الولايات المتحدة التي تنفيه حتى الان فيما تتجنب وصفه بالاتفاق تحاشيا لعرضه امام الكونغرس الاميركي. واذا كانت الممانعة هي في وجه اسرائيل فثمة امران : احدهما ان ايران لا تمانع اطلاقا بتوثيق العلاقات مع دول الخليج العربي المنفتحة عليها على رغم التطبيع الذي اقامته هذه الدول مع اسرائيل فيما ان ” حزب الله” لم يمانع التفاوض مع الولايات المتحدة حول اتفاق استراتيجي مع اسرائيل يحفظ حقوقها البحرية كما حقوق لبنان ايضا ولو ان هناك من يثير علامات استفهام حول النقطة الاخيرة . وذلك بالاضافة الى واقع انه اذا كانت الممانعة في وجه اسرائيل فلا يمكن استخدام العبارة داخليا في وجه القوى السياسية الاخرى لان الجميع علنا وضمنا في اطار رفض اسرائيل والسلام معها انما من دون استدراجها الى حرب على لبنان ولاعتبارات غير لبنانية قطعا . فكيف للبنان ان يكون في سياسة محاور اقليمية لن تكون موجودة في حال سلك تنفيذ الاتفاق السعودي الايراني طريقه من دون عراقيل ما لم تكن التسمية استمرار لاستخدامه ساحة للضغط والمساومة مع الولايات المتحدة او في وجه اسرائيل من جانب ايران وحتى سوريا كذلك . وهذا السؤال يثار ايضا ازاء الرئيس السوري بشار الاسد الذي تستخدم بلاده ايضا في صراعات النفوذ الاقليمية علما ان اعادته الى الجامعة العربية يندرج في اطار اخراجه او مساعدته على الخروج من التموضع في اطار ” الممانعة” فيما انه ليس ضد اسرائيل التي ساهمت في بقائه في السلطة وطامح بقوة الى شرعية تسبغها عليه الولايات المتحدة .
النقطة الثانية هي ازدواجية السلطة واذا كان في الامكان منح الحزب الدولة امكان القيام وعدم منافستها على النفوذ والسلطة بما يتركها دولة تستحق الاحترام ودعم نهوضها . وحين تركت باريس الحديث عن نقاط اثارتها مع فرنجيه من دون ان تنفيها ، بدت مقاربتها سطحية ان لم تكن ساذجة كذلك . فيما ان النقطة الثالثة تتصل بطبيعة الحكومة المقبلة وما اذا كان يمكن المجيء بحكومة خبراء لا صلة لهم بالقوى السياسية شرط دعمهم من هذه القوى وتبقى النقطة الرابعة للشق الاقتصادي وكيف يتعين تنفيذ خطة اعادة هيكلة المصارف ورد اموال المودعين وما الى ذلك . وهذه النقاط يمكن على اساسها الوصول الى رئيس للجمهورية بمهام محددة بحيث يتم خلال عهده اعادة وضع بناء الدولة على سكة صحيحة.
ولكن هل يملك ال فرنسيون الوقت لذلك بعد ثلاث سنوات وهل ستأخذ في الاعتبار التوازنات الداخلية الدقيقة وتتحلى بالنظرة البعيدة لمستقبل البلد ام ستكون مستعجلة تحت وطأة منع المزيد من الانهيار ؟ عدا عن ذلك فان الامور قد تعني ليس فقط تمديد الازمة بل اكثر بكثير.