كتبت النهار
منذ ما قبل جلسة مجلس النواب في 14 الجاري، بدت مسألة مستقبل العلاقة بين عين التينة والمختارة وكأنها ازيحت من دائرة الضوء والتكهن، فلا التواصل الدافىء بينهما عاد الى سالف عهده، ولا بوادر الفرقة والقطيعة التي فرضت نفسها قد امتدت في افق تلك المرحلة ومضت الى حدها الاقصى، فبقيت تلك العلاقة في مربّع الالتباس والاجتهاد ما أوحى للبعض ان طرفيها قد “تواطأا” على ابقائها في الثلاجة في انتظار ما من شأنه ان يعيدها سيرتها الاولى المعهودة.
السبت الماضي كان الوزير السابق غازي العريضي في عين التينة. ومع ان الرجل هو موفد جنبلاط الدائم الى هذا الصرح إلا ان ثمة في عين التينة من يتحدث صراحة عن ان الضيف لم يحمل الى المضيف اي جديد حاسم يعتدّ به. لكن العريضي الذي اعتاد ان يجتمع ببري كل اسبوعين لم يشأ ان يكسر هذا التقليد لئلا يقال بان كل قنوات التواصل بين الزعيمين السياسيين المخضرمين قد سُدّت، لذا ثمة من رأى في هذه الزيارة مظهراً من مظاهر ربط النزاع.
والى ذلك، بدت مشاركة نواب “اللقاء الديموقراطي” في جلسة “تشريع الضرورة” التي انعقدت اخيرا بدعوة من الرئيس نبيه بري تقاطعا ايجابيا يعوّض جزءا من تقاطع نواب اللقاء مع الذين صوتوا للمرشح جهاد ازعور، فكان ذلك مبعث الحديث عن تنافر وتباين بين زعيم المختارة وسيد عين التينة، وهو ما القى بثقله على العلاقة التاريخية التي شكلت في مراحل متعددة جزءا من صمام الامان للوضع الداخلي.
العلامة الفارقة في مسار هذه العلاقة التي مُنيت اخيرا بنكسة تجسدت في حرص الرئيس بري بعد جلسة الاربعاء ما قبل الماضي على اطلاق ثلاثة تصريحات متتالية يبدي فيها حرصه الشديد على تبديد كل الكلام الذي سرى قبيل تلك الجلسة وبعدها وفحواه ان بري متأثر سلباً الى حدّ الاحباط، وانه عازم تاليا على صرم كل حبال التواصل والالتقاء الواصلة بينه وبين صديقه الزعيم الاشتراكي. وقرن ذلك بتكذيب للانباء التي نُشرت عن ان بري اوصد ابواب عين التينة امام تيمور جنبلاط الذي سارع الى طلب موعد ليشرح فيه دواعي أخذ خيار دعم المرشح جهاد ازعور.
وعلى رغم ان بري حرص ايضا على الايحاء بانه عازم على اعادة الدفء والحرارة الى علاقته مستقبلا بجنبلاط عندما قال بان جنبلاط سيظل جنبلاط الذي يعرفه تمام المعرفة، فان ثمة في اوساط عين التينة من يملك مقاربة براغماتية لمستقبل هذه العلاقة قوامها ان الرئيس بري لم يفاجأ بكل التطورات الاخيرة في مواقف جنبلاط لانه كان على علم مسبق بحجم التغيرات التي طرأت على مسار انتقال الزعامة الى تيمور وتجربته الخاصة على نحو يثبت خروجه من جلباب زعامة ابيه.
والاكيد، بحسب المصادر نفسها، ان بري تبلّغ بشكل او بآخر ان وريث جنبلاط الشرعي يبدو راغبا في تبنّي خيارات سياسية لا تتواءم بالضرورة مع كل توجهات والده القائمة على مراعاة الاحوال بناء على فهم راسخ للتركيبة السياسية الدقيقة والمعقدة في البلاد.
وبمعنى أوضح، فهم بري ان تيمور يصر على تبنّي الخيارات السياسية والرئاسية التي توافق عليها مع الفريق الآخر، وهذا الفضاء مناوئ لتوجهات “الثنائي” ومَن والاه بالسياسة. ووفق المصادر اياها فان بري “تفهّم” كل تلك الاعتبارات والضرورات التي املت على صديقه ان يتخذ هذا الموقف، خصوصا ان جنبلاط وتيمور أرسيا حرية اتخاذ القرار للأخير.
كان الامر ليكون طبيعياً ويسيراً لو ان العلاقة مع “الثنائي الشيعي” وجمهورهما على هذا القدر من الحساسية والدقة والتشابك، وهي العلاقة التي كانت العلاقة المميزة بين جنبلاط الاب وبري كفيلة بتأمين قواعد اتزان وضبط لها على رغم كل ما اعتراها من صدمات.
وكان جنبلاط قد ابرم اخيرا بعيدا عن الاضواء تفاهما مع بري حول كيفية ادارة هذه العلاقة بعد ان يتولى تيمور الجزء الاكبر من مقاليد الامور التي كانت الى الامس القريب محصورة بيد والده.
ومن بنود هذا التفاهم ان يُترك لتيمور فرصة ان يجرب خياراته ويذهب بها الى حيث يشاء لكنه سيعود في نهاية المطاف الى اعتماد الموضوعية على عادة كل الوالجين حديثا الى المسرح السياسي.
وثمة من يرى ان جنبلاط الابن، كما سواه، قد عاين مسار الامور في الجلسة الاخيرة لمجلس النواب، وبعدها حسابات أخرى.