كتبت النهار
مع اقتراب نهاية الشهر الثامن على الشغور الرئاسي لم يحصل اي جديد مختلف في السيناريو الذي بدا واضحا ومألوفا منذ نهاية عهد ميشال عون اقله بالنسبة الى العواصم المؤثرة ودوائر القرار . ذلك ان التجربة ليست مكررة فقط بكل تفاصيلها اي ???????????????? ???????? بل ايضا التوقعات في ان الفراغ الرئاسي حتمي وكذلك شل البلاد والاستمرار في المزيد من الانهيار .
ثلاثة ظواهر لافتة قد يعتبرها البعض نافرة تترجم العمق الذي بلغته الازمة في لبنان والكوما او الغيبوبة لاهل السلطة في استهانتهم بالبلد واهله . احدى هذه الظواهر هي زيارة الموفد الفرنسي الوزير السابق جان ايف لودريان الى بيروت ولقائه المسؤولين او استقباله النواب والسياسيين من اجل ايجاد جوامع مشتركة لاخراج هؤلاء من عقمهم السياسي . والثانية هي الاستقبال الذي اقامه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري لسفراء الدول الغربية والاسلامية في لبنان والذي كان نجمه اللقاء الذي جمعه بالسفير الايراني في لبنان . والثالثة هي اعلان الولايات المتحدة والامم المتحدة عن بدء تنفيذ برنامج دعم مالي للجيش اللبناني علما ان المبادرة ليست الاولى من نوعها وسبقتها مبادرات مماثلة داعمة للجيش اللبناني في زمن تخلى المسؤولون عن اي مفهوم للسيادة او حتى للكرامة وفي ظل تساؤل يوجهه البعض ازاء “حزب الله” بالذات الذي يغدق اتهامات العمالة للولايات المتحدة او الخضوع لاوامرها على اي مرشح رئاسي يرفضه فيما ان لا مشكلة لديه باستمرار الشغور الرئاسي ومسؤوليته في ذلك ما يدعم اعتماد الجيش اللبناني ، رمز سيادة الوطن ويضم عناصر شيعية كما عناصر من كل الطوائف، على الخارج . اذ ورد في بيان السفارة الاميركية عن الموضوع ” إن بدء المدفوعات النقدية هو دليل ملموس على التزام الولايات المتحدة المستمر بتعزيز مؤسسة رئيسية تتجاوز الحدود الطائفية وتبقى ضرورية لاستمرار أمن لبنان واستقراره” .
ويراقب المسؤولون ذلك من دون اكتراث او حس بالمسؤولية فيما تتساقط رهاناتهم الواحدة تلو الاخرى واخرها ان التفاهمات الاقليمية ستكون العامل الحقيقي لسريان التفاهم اللبناني وانهاء الانقسام بين القوى السياسية . فهذا لم يحدث فيما ترجم ممثلا السعودية وايران في لبنان تفاهمها الى داخل هذا الاخير ، ولم تصل مفاعيله الى اي من الامتداد الايراني او الى من يعتقد انه يشكل امتدادا بنسبة ما الى المملكة السعودية . فهذه النظرية سقطت وما يصح هو ان الاختلاف الاقليمي تصل انعكاساته الى لبنان ولكن ليس التفاهم الاقليمي الذي يبقى عالقا عند اسباب سلطوية اقليمية وداخلية كذلك.
وما سقط ايضا او يكاد هو الاقتناع الخارجي ان لبنان لا يتحمل شغورا رئاسيا على غرار ذلك الذي مارسه “حزب الله” وحليفه التيار العوني لمدة عامين ونصف ، فيما انه يتم تحميل البلد بكلفة مستقبلية باهظة شغورا بات يعتقد انه سيقترب من مهلة السنة على اقل تقدير . وهذا لا يعني ان الخارج يكترث على رغم كل مواقفه او حتى اجتماعات للجنة الخماسية ، فهذه الدول تراقب عن كثب ولكنها لا تكترث لما يجري في لبنان خصوصا اذا اعطى هؤلاء الخارج ما يريد اي استقرار الحد الادنى على الحدود جنوبا وحتى في الداخل .
السؤال الذي يثيره البعض هو هل الانقسام هو فعليا على السلطة ممثلة برئاسة الجمهورية والحكومة ام هو على دور “حزب الله” وموقعه وطبعا موقع ايران بعدم ارخاء قبضته عن خناق الدولة اللبنانية وتمكينها من العودة الى ان تكون دولة كاملة المواصفات وليست رديفة للحزب او تحت ظله ؟
ابان الوصاية السورية على لبنان كان اليأس عميما بانه تكاد تكون هناك استحالة باخراج النظام السوري وقواته من لبنان في ظل ما اعتقده اللبنانيون وعن حق تسليما اميركيا لا بل دوليا وعربيا بالسيطرة السورية على لبنان وادارته تحت اعتبارات وذرائع شتى كان يلجأ اليها النظام الاسدي والدا وابنا الى استخدام لبنان حديقة خلفية للتفاوض والابتزاز وتقوية مصادر نظامه. ولم يكسر هذه الحلقة سوى اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي احدث زلزالا تمت ترجمته في ثورة 14 اذار التي اجبرت النظام السوري على سحب قواته من لبنان . فيما ان اليأس يغلب على رغم الصراع الجاري بقوة راهنا من امكان كسر سيطرة الحزب ليس على موقع رئاسة الجمهورية فحسب بل على الدولة اللبنانية . ولا وقت ولا حماسة ولا رغبة لدى الدول المؤثرة في انتهاز الفرصة للقيام بذلك، اذ يخرج الحزب من عباءته منطق انه كتلة عسكرية اقوى من الدولة اللبنانية ويمتلك بلوكا مذهبيا يتحكم به عبر استخدامه كحق للنقض في كل المؤسسات وعلى كل المستويات فضلا عن تحكمه التمديد بمرافق الدولة الاساسية لا سيما مطار رفيق الحريري ومرفأ بيروت اقله وفق التعطيل القسري للقضاء في موضوع انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020. في زمن التفاوض غير المباشر الاميركي الايراني حول تفاهم او اتفاق موقت او مرحلي حول الاتفاق النووي او حتى في حال لم تصح المعلومات في هذا الاطار حول استمرار رغبة ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن في العودة الى العمل بالاتفاق النووي ، يصعب الاعتقاد بان الولايات المتحدة يمكن ان تضع ثقلها في هذا الاطار على صعيد العمل لكسر سيطرة الحزب على الدولة ولا وقت لديها ولا رغبة كذلك . وفرنسا سبق ان قدمت نموذجا عبر تبني المعادلة التي طرحها الحزب انها في صدد تعميق سيطرة الحزب على الدولة وتسليمها له بذلك وليس العكس. فيما ان السعودية حددت معاييرها للتعامل مع لبنان وعقدت اتفاقا مع طهران بحيث يعفيها على الاقل من خوض غمار اي مواجهة ثانوية لها في لبنان . مما يثير التشاؤم ازاء استقواء الحزب من اجل عدم التهاون داخليا والاصرار على ما يريده ما لم يواجه جدارا داخليا مانعا وقويا بالحد الاكبر من الوحدة الوطنية باعتباره العائق الوحيد الفعلي امامه وليس العوائق الخارجية غير الموجودة .